بلبل الثورة السورية يغني للخليفة البغدادي

  أن ينتقل الساروت لتنظيم داعش يعني أن كل الأحلام وكل الأغاني أصبحت محض أوهام، فحين يموت المغني تموت الثورة، يموت الحس الإنساني بغدٍ يليق بالآلام والآمال.
عمّار ديّوب - صحيفة العرب غنى للثورة دون توقف. حمل السلاح دفاعاً عن مدينته حمص. قُتلت أربع من أخواته واثنان من أخواله وآخرون. وحينما خرج مع مئات المقاتلين في حمص بصفقة أشرفت عليها إيران، وجدوا أنفسهم في العراء. لا مال يصلهم. لا أحد يهتم ببطولاتهم. حلمهم بالعودة إلى مدينتهم تلاشى.

مرّ أكثر من نصف عام على ذلك، ولم يحدث أي تغيير. عبد الباسط الساروت شاب ثوري بوعي بسيط، وعيه ديني، اندمج في الثورة من موقعه كحارس لفريق الكرامة لكرة القدم في حمص؛ كان كما كل الشباب السوري راغباً في التغيير والانتقال إلى حياة يُنصف فيها السوريون، حياة تليق بالبشر لا أن يظلوا عبيداً.

تصريحاته السابقة لم ترفض التنظيمات الجهادية، جمله كانت تؤكد ضرورة تآزر الجميع لخير السوريين كافة. الساروت، غنى هو والفنانة الجريئة فدوى السليمان للثورة ولسوريا، لم تكن لديه مشكلة في كونها أنثى أو تنتمي إلى أصول دينية مختلفة. ولم تصدر عنه مواقف طائفية، وحمله للسلاح كان دفاعاً عن النفس وليس خياراً أبداً؛ فخياره كان الغناء فقط، وربما لاحقاً إلى عشقه الأساسي كرة القدم.

الساروت الآن يبايع داعش ويغني للخليفة البغدادي؛ الأخير يعرف كيف يستقطب المجموعات التي أصبحت بلا أي أمل، حيث المال والخطاب الديني للمتعبين والشعور بالقوة. إن تحول الساروت للدعشنة يساوي غياب أي أمل في الانتقال السلس لسورية. ويتضمن شعوراً بالخذلان من أية إمكانية للبدء برحيل النظام. أو البدء بحل سياسي ما.

أبداً ليس خبراً عادياً هذا دعشنة المغني. فهو يدلل بوضوح فشل كل أشكال المعارضة السورية، وفقدان الثقة بأي دور إقليمي أو دولي للحل. أن ينتقل إلى الدعشنة وهو ابن حمص، أي ابن مدينة التنوع الطائفي والثقافي ورغم كل المجازر الطائفية ورفضه الذهاب نحو الطائفية من قبل، أي قبل عامين، فهذا لوحده يقول: الساروت فقد أي أمل.

فماذا سيفعل مع داعش: أسيغنى للخليفة؟ لا هذا غير ممكن. أسيقيم الصلاة؟ لا أيضاً، فلا الخليفة مهتم بالصلاة ولا الساروت؛ إنه يبحث عن خلاصٍ فقط. ولكن توهمه بهذا الخلاص، يشير أن منشد الثورة وبلبلها مات للأبد، وربما يقتله خلاصه هذا بالتحديد.

سيقول البعض كان إسلامياً وعاد إلى مكانه الطبيعي، إلا أن هذا تسخيف لكل الثورة. الساروت لم يكن إسلامياً كان وعيه كوعي كل الشباب السوري، والذين لم يترك لهم النظام لعقود سابقة مجالاً إلا التدين، أي كان شاباً عادياً بوعيه ومميز بلعبة كرة القدم وبصوت حنون؛ أما أن يتدعشن فهذا له معنىً وحيداً، وهو: إفلاس المعارضات وما أنشأته لخدمة الثورة والمثقفين وشللهم وعنف النظام، وغياب الحل. وفيما يخص النقاد فهم بذلك يثرثرون كلاماً تافهاً كي لا يعترفون بهذه الحقيقة.

سيُثني البعض على دعشنته، وأيضاً هذا خطأ كبير، ورغم أن الظروف لم تترك له خياراً إلا الموت أو الدعشنة.

الخطأ، لأن داعش ليست الحل، ولن تكون، فهي تنظيم إرهابي، لطالما قتل الثوار وعائلاتهم، وهو لا علاقة لها بالثورة السورية أبداً.

هو حصيلة عقود الإفقار والتهميش والشمولية، وكذلك العنف اللامتناهي للنظام وهو لعبة استخباراتية تديرها عدة دول معاً، وعبره يتم خوض الصراعات الإقليمية والدولية. الوعي البسيط للساروت ومن معه والشعور بالخذلان وربما استحصال مال كثير هو السبب وليس أمراً أخر، وليس بسبب تدينه القديم و لا بسبب رغبته في الإرهاب والقتل كما يشير الموالون للنظام.

أن ينتقل الساروت لتنظيم داعش يعني أن كل الأحلام وكل الأغاني أصبحت محض أوهام. فحين يموت المغني تموت الثورة. يموت الحس الإنساني بغدٍ يليق بالآلام والآمال. هذا التحول، يؤشر لابتعاد السوريين عن انتقال سلس، ونحو عدالة انتقالية.

وهذا بعكس ما نسمعه من مشاورات سياسية وشمس ستسطع من روسيا وفق مصطلح الشيخ معاذ الخطيب.

الزمن الحالي نهاية عامٍ مضى، ولكنه بالنسبة للسوريين عام كارثي بامتياز، فقد توسعت الجهادية وتقريباً داعش والنصرة وجيش الإسلام وأحرار الشام يفرضون سلطتهم على كافة المناطق المحررة، وهناك حلفٌ دوليٌ يحارب داعش وربما يحارب بها لإعادة تأهيل النظام.

وهناك أعداد من القتلى فاقت كل التوقعات، وحصار مميت لأحياء، وفقدان للأمل بخروج المعتقلين، وتدخل أكبر لإيران وروسيا بتقرير شؤون النظام وشؤون الحرب ضد السوريين.

البلبل “يغني” للخليفة الآن، والسوريون يقتلون بنيران العالم برمته وليس النظام فقط.