Written by
MICRO SYRIA ميكروسيريا
on
on
مع الثورة أم ضد النظام؟
داريوس الدرويش - المستقبل أثار الخبر حول سقوط/تحرير معسكري النظام في وادي الضيف والحامديّة على يد جبهة النصرة والجبهة الإسلاميّة تباينات في مواقف الناشطين السوريّين المعارضين، تفاوتت بشكل أساسي بين حالتين: إمّا الحزن أو الفرح، وذلك كإجابة على سؤال: ماذا يعني لنا هذا الخبر؟ هل يعني لنا أنّ قوّات الأسد قد اندحرت، أم أنّ تنظيم القاعدة قد تمدّد؟ هل يعني لنا أنّ احتمال اعتقال المدنيّين بحجّة العمالة قد انخفض، أم أنّ احتمال اعتقال وقتل الناشطين المدنيّين بحجّة الكفر قد زاد؟ والأهم، هل يعني لنا أنّ الثورة قد انتعشت، أم أنّها انتكست؟ وعن أيّ ثورة نتحدّث؟ ثورة «الحريّة والكرامة»، أم ثورة «إسقاط النظام»؟ التناقض بين هذين الموقفين كانت سيبدو عاديّاً لو أنّهما صدرا عن جهتين نتوقّع تناقضهما أساساً، كأن يحزن النظام لهذا الخبر وتفرح به المعارضة، أو أن يفرح به تنظيم القاعدة وتحزن المعارضة له. ولكن، هذين الموقفين المتناقضين يصدران، تجاه مسألة واحدة ومحدّدة، عن أفراد يُفترض أنّهم يقفون إلى جهة واحدة (المعارضة). فهل هذا يعني أنّ افتراضنا خاطئ؟ أي أنّ المعارضة ليست جهة واحدة، بل ربّما جهات متناقضة؟ لعلّ الموضوع تجاوز تلك المفاهيم المبهمة حول «المعارضة»، وأنّ التمايز قد ظهر بشكل غير مسبوق. ولعلّ بالإمكان الآن الحديث عن معارضتين: الأولى تُعرّف نفسها أنّها «مع الثورة»، والثانية تعرّف نفسها على أنّها «ضدّ النظام». للوهلة الأولى قد تبدو هاتان المعارضتان مكمّلتين لبعضهما البعض، ولكنّ نظرة أقرب قد تُظهر أنّه من شبه المستحيل الجمع بينهما. فالمعارضة الأولى (مع الثورة) تؤمن بأهداف الثورة في الحريّة وبناء الدولة المدنيّة والديموقراطيّة... الخ، وتستنكر قيم النظام المتمثّلة في الديكتاتوريّة والعبوديّة والفساد، والتي يمكن أن تمثّلها أيّ جهة أخرى إضافةً للنظام. فهي تريد إذاً أن تبني ماهيّتها وفق شكلٍ ومعايير واضحة ومحدّدة، وليس بأيّ شكل آخر؛ وحين يتمّ تبنّي «البناء» كهدف نهائي للثورة، هذا يعني أنّ «الهدم» (الحرب، الثورة، إسقاط النظام... الخ) سيُشكّل، وفقاً لتلك المعايير، فقط جزءاً من مستلزماتها وليس جوهرها ولا حتّى كلّ مستلزماتها. لذا، فمشروع بنائها - وبالتالي وجوب تمييزها بين الهدم اللازم وغير اللازم - يحتاج، في هذه الظروف الصعبة، وعياً وحساسيّة عاليين لا يحتملان إعماءهما بكره مطلق يمنع رؤية الأخطار الأخرى عدا خطر النظام. وبكلمات أخرى: الثورة قد تنجح فقط حين يخسر النظام (و) حين تخسر المشاريع المشابهة له كالقاعدة وأمثالها، وتفشل (أو تنتكس) بمجرّد أن يربح النظام (أو) تربح القاعدة وأمثالها. فمن المنطقي إذاً أن ترى معارضة «مع الثورة» في سيطرة «القاعدة«، والقوى الإسلاميّة الرافضة للديموقراطيّة، على معسكري وادي الضيف والحامديّة على أنّها مدعاة للحزن والانتباه، فهذه السيطرة هي تهديدٌ لمشروعها الذي تريد بنائه، وانتصارٌ لمشروع إرهابي تعارضه، بحدّة معارضتها ذاتها لمشروع النظام في الديكتاتوريّة. أمّا المعارضة الثانية (ضدّ النظام) فهي على العكس تماماً من الأولى من حيث تفضيلاتها ومعاييرها. انعدام المشروع لديها، واقتصاره على هدف واحد هو «المعارضة» (أو «الهدم» في حالة الحرب) يجعل من إجابتها على تلك الأسئلة أسهل؛ فليس المهم من يقوم بالهدم، و ليس من المهم أيضاً، ما ستؤول إليه النتيجة بعد الهدم طالما أنّ النظام مستهدفٌ في الحالتين، وإن لم يكن المستهدف الوحيد، وذلك لسبب رئيسي: أنّ «اللامشروع» ليس له ما يخسره/يتحمّله. لذا فقد كان هذا «اللامشروع» موضوعاً يترجمه النظام إلى «مشروع الفوضى» وينشره باللغات الأجنبيّة. وأيضاً بعكس المعارضة الأولى: تنجح الثورة، وفق معارضة «ضدّ النظام»، فقط حين يخسر الأخير منطقة ما بغض النظر عن من يسيطر (أو لا يسيطر) عليها لاحقاً، في تأييد كامل لمقولة أنّ الفوضى هي نتاج «اللامشروع»، ونتاج النهج النظري لهذه المعارضة، وليست مجرّد نتيجةً عمليّةً لحالة انعدام الدولة ووظائفها، والتي هي بدورها نتيجة مباشرة لإطلاق النظام حرباً على شعبه، يتحمّل مسؤوليّتها النظام فقط، لأنّها نتاج نهجيه النظري والعملي. لا يختلف الأمر عن هذا حتّى لو اتّخذت تلك التفضيلات والمعايير قناعاً إنسانيّاً، فالمقارنة بين النظام والقاعدة من الناحية الإنسانيّة (إن صح التعبير) يعتمد على تلك التفضيلات بالدرجة الأولى، هي التي ستضعهما في خانة واحدة إن كانت «الحريّة والديموقراطيّة» هي المعيار، أو ستضع «القاعدة« في مستوى أعلى إن كانت لا مشكلة في قتل «الكفرة» و»الصحوات» و»المرتدّين» حين يتعلّق الأمر بهزيمة النظام، أو ستضع «القاعدة« في مستوى أخفض إن كانت لا مشكلة في الديكتاتوريّة حين يتعلّق الأمر بالإسلاميّين. كذلك، لم يُثبت أصحاب «اللعبة السياسيّة» أنّ استخدام تنظيم القاعدة لمواجهة النظام (عبر ضمّ الأولى إلى «مكوّنات الثورة»)، على مبدأ «عدوّ عدوّي صديقي» هي حلّ عملي، بل لم يستطيعوا حتّى تبرير خساراتهم (خسارات الثورة) على الأرض لصالح العدوّ الثاني المفترض أنّه أصبح «صديقهم»؛ فهل من مبرّر للاستمرار في هذه اللعبة حين يصبحون هم أوّل ضحايا «عدوّ عدوّهم» بدءاً من القامشلي وانتهاءً بدرعا مروراً بـ «ولايات» الرقّة ودير الزور، وأمراء حلب وإدلب وحماة، ومخطوفي دوما الأربعة؟ ماذا إذاً؟ هل سيكون الملجأ هو «الحياد» إزاء هذا الحدث أو أحداث أخرى مشابهة؟ قد يبدو حلاً، ولكنّ الحياد هنا، بالنسبة للسوريّين ومن في حكمهم من أنصار الثورة السوريّة، ليس ممكناً؛ فالحياد هنا هو ليس رفاهيّة الوقوف غير الممكنة «على مسافة واحدة من كلّ الأطراف»، وهو ليس أيضاً رفاهيّة «التجاهل»، بل هو موقف لا يتمّ التعبير عنه، ربّما لعدم الوضوح الكافي لتلك التفضيلات في الأذهان، وربّما، لسبب أبسط، هو الموقف المختبئ نتيجة الخوف من الأحكام المعلّبة والجاهزة؛ فالحزن إزاء هذا الخبر لا يعني، بالنسبة لتلك الأحكام، أنّه حزن أناس على أحلام ثورتهم التي حوّلتها سيطرة «القاعدة« إلى كابوس حقيقي، بل هو بالنسبة لها مجرّد حزن شبّيح (أو في أحسن الأحوال مؤيّد) على تراجع النظام. وكذلك، فالشعور إزاءه بالفرح أيضاً لا يعني أنّه تعبير عن الكره الأعمى للنظام، ربّما لامتلاء الأعين بدماء 300 ألف ضحيّة سقطوا على يديه، بل لأنّ «الداعشي الصغير» المختبئ داخل كلّ معارض قد ظهر، هكذا ببساطة!( كاتب كردي سوري )