معتقلات المخابرات السورية : الفرع (215)

تشير تقديرات الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن الفرع 215 وحده يحتوي على ما لايقل عن سبعة ألاف وخمس مئة محتجز تُمارس عليهم جميعا أفظع أساليب التعذيب . سرية المداهمة والاقتحام أو مايسمى 215 , يقع في العاصمة دمشق في حي كفرسوسة , هو واحد من عشرين فرع أمني عسكري , موزعة بين دمشق و المحافظات . هناك مجتمع كامل مصغر داخل المعتقل يضم رجالاً ونساء وأطفال , تتشابه فيه روايات المعتقلين الناجين , رغم اختلاف أجناسهم وأعمارهم وأهدافهم .

ليس للسوريين فقط :

تقول المعتقلة السابقة عبير "كنا مجتمعين في جلسة تدريبية في فندق الفردوس , ثلاثة شبان وفتاتين ,تعرضنا لمداهمة من فرع 215 , وضعوا الشبان في القبو ,ولم نراهم بعد ذلك , وتركونا في الطابق العلوي , الطابق السادس يحتوي على زنزانة واحدة للنساء وباقي الزنزانات هي للإسلاميين الموجودين بالفرع منذ زمن , هناك اثنان من طرابلس منذ خمس وعشرين سنة , وهناك رجل يدعى الحجي منذ خمسة عشرة سنة , هناك أشخاص من هولندا وبريطانيا اسلاميون موجودون منذ زمن , وفي الزنزانة المقابلة سبعة شبان موجودون منذ خمس سنوات معتقلين من قبل بدء الثورة " أما عن مدير السجن فيدعى أحمد العلي وهو ملقب ب “شرشبيل” يناهز عمره الستين , ويشرف على تفتيش المعتقلات بشكل شخصي , تقول عبير إنّ تفتيشه هو أقرب ما يكون للتحرش الجنسي “كان تفتيشا سيئا جدا مدير السجن هو من يفتش النساء , هناك تعرية كاملة للجسد , تعذيب لفظي مهين , كالتهديد بالشرف والشبح دون ملابس “.

700شهيد .. :

إياس صحفي ومعتقل سابق خرج من فرع المنطقة او ما يسمى مئتان وسبعة وعشرون الموجود في كفرسوسة , تحدث عن أعداد الضحايا الذين قضوا خلال مدة اعتقاله تحت التعذيب ونتيجة الظروف السيئة "خلال أربعة شهور توفي معي سبع مائة وأربعة رجال , بين أمراض أو تحت التعذيب , أو بسبب فقدان العقل , تتراوح هذه الحالة بين اثنين لأربعة أشخاص يوميا , الجثث تبقى بالمهاجع لمدة يومين مع الناس , كان عملنا الاستيقاظ يوميا في الخامسة صباحا , نحمل الجثث لساحة الفرع , تأتي سيارات على شكل صناديق حديدية أو سيارات القمامة , يتم رمي الجثث فيها , وسطيا تصل الأعداد من خمسة عشر لعشرين جثة , علمنا في النهاية أنّ الإعدام يتم من خلال كسر العنق , بعد تكبيل يديه للخلف "

بلاطة و نصف .. و أربعة زيتونات :

أما عن ظروف الاعتقال , فتعتبر بحد ذاتها أحد أساليب التعذيب الجسدي والنفسي , فالمساحة الضيقة المخصصة لكل معتقل لا تتجاوز في غرف الحديد أربعة أشخاص في أحسن الأحوال بلاطة ونصف البلاطة للمعتقل الواحد , عليه أن يمضي كافة تفاصيل يومه في هذه المساحة كالنوم والأكل والجلوس . هذا بالنسبة للمعتقلين القدامى , أمّا المعتقلون الجدد فعلى كل اثنين منهم أن يتناوبوا بين الجلوس والنوم على هذه البلاطة ,ناهيك عن الطعام المقدم لهم فهو بكميات محدودة ونوعية سيئة للغاية ”الفطور عبارة عن نصف رغيف وأربع زيتونات توضع في يد كل معتقل , الغذاء عبارة عن برغل والعشاء نصف رغيف مع البطاطس “ .

30 وفاة يومياً :

مدير المركز السوري لتوثيق حقوق الانسان "بسام الأحمد" يبين أساليب التعذيب وأعداد الوفيات التي تخرج بشكل يومي من معتقلات شعبة الأمن العسكري والتي قد تصل في بعض الأحيان إلى ثلاثين حالة وفاة" الطريقة الأكثر شيوعا في فرع الأمن العسكري هي طريقة الشبح , والضرب بالكابلات والهروات , والضرب عن طريق الفلقة أو بساط الريح , كما أن أوضاع المعتقلين هناك صعبة جدا وخاصة من ناحية التعذيب والإهمال الصحي , جميع المعتقلين يعانون من الأمراض الجلدية التي تؤدي في أغلب الأحيان للموت , في عام 2013 وبعد مقاطعة شهادات شهود العيان التي وردتنا , وردنا أنه هناك ما لايقل عن ثلاثة آلاف حالة وفاة في الأفرع الأمنية , وهو رقم تقديري لا نمتلك قائمة محددة بالأسماء حتى الآن "

أساليب مبتكرة :

كما وثق المركز أساليب مبتكرة في التعذيب استخدمت في فرع 215 تحديدا , أجرى المركز لقاء مع المعتقل السابق محمد مصطفى درويش من قرية احسم في ريف إدلب , تحدث في هذا اللقاء عن أدوات مستخدمة في التعذيب كالتعرية والشبح وقلع الأظافر وتكسير الأطراف
يقول : كانوا يضعون أكياس بلاستيكية في رؤوسنا ويربطونها بإحكام ويتركونا ننازع لنحصل على الاوكسجين , ومن الأساليب , أداة تشبه المسننات الخلفية للدراجة الهوائية , تمرر هذه المسننات من خلال بكره بعد تثبيت المعتقل وربطه على ظهر المعتقل مما يؤدي إلى تآكل لحم ظهره وإحداث فتحة وجروح عميقة فيه ..
 

أربع طرق للموت :

يوثق لنا الناجي إياس بعض اساليب التعذيب المستخدمة هناك "الموت كان بثلاثة أو أربعة طرق تحت التعذيب أو بسبب الأمراض , هناك أي جرح بسيط ممكن أن يؤدي إلى أمراض خطيرة و تسبب الوفاة , الموت الأكبر كان بسبب فقدان العقل , وخلال عشرة أيام كحد أقصى يتوفى المعتقل ,كانوا يعزلون من يصاب بالأمراض في غرف العزل حتى الوفاة , كانوا يرمون الجثث في الحمامات , وعندما ندخل إلى الحمامات لقضاء الحاجة نجد أنّ الأرضية مفروشة بجثث المعتقلين , أما عن التعذيب فكانوا يضعونا على كرسي حديد مفرغ له أربع أقدام , يبطح المعتقل على بطنه ويربط المعتقل ويتم شدّ الكرسي بشكل عكسي , حتى يخرج الجزع بشكل كامل ويتم كسر ظهر المعتقل "

التقرحات الجلدية البلاء الأكبر :

أما الرعاية الصحية داخل الأفرع الأمنية فهي سيئة للغاية , من أكثر الأمراض انتشارا هي الإنتانات والتقرحات الجلدية , التي تصل في أغلب الأحيان إلى العظم , وتسبب سقوط كتل لحمية من جسد المعتقل وغالبا ما تكون هذه الأمراض هي السبب الرئيس في وفاة المعتقل ….الناشط "عاصم الزعبي" تحدث عن انتشار مرض الطاعون داخل معتقلات الحديد في 215 مع تعذر اثبات ذلك بسبب تعمد النظام إخفاء الحقائق

الطاعون :

"بالنسبة لمرض الطاعون كان انتشار الخبر عن طريق أحد الأشخاص العاملين بالفرع , لكن النظام لم يعترف طبعا , المرض كان متفشي داخل مهاجع الحديد ويتراوح العدد بين المئة وسبعة عشر والمئة وثلاثين, كان المعتقلون مصابون بأعراض متشابهة , عندما ساءت حالتهم أخبر الحراس الأطباء , و أخبروا رئيس الفرع العميد حسن دعبول , وكان هناك تخوف من انتشار المرض إلى عناصر الفرع , ولكن النتيجة كانت أن أصدر رئيس الفرع أمر بإعدام المصابين "

صغر العمر لا يشكل عذر :

لا تختلف معاناة الإناث والأطفال داخل المعتقلات عن معاناة الذكور بل ربما هي الأسوأ , يؤكد ذلك الشاب القاصر عبد الرحمن خيرو الدباس , من مواليد 96 من مدينة داريا " يقول بابتسامة ساخرة هم لا يميزون بين القاصر و البالغ , تعرضة للتعذيب مثل الكبار الموجودين بالفرع , وهم يعتمدون بشكل رئيسي , على العصا والكرباج والكرسي الألماني والشبح , وأنا تعرضت للشبح الأمامي , كان هناك قاعة تسمى الحديد هي غرفة أربعة أمتار بأربعة , فيها حوالي سبعين معتقل , هؤلاء بحالات صحية سيئة جدا ينتظرون الموت , وهناك طفل صغير عمره حوالي أربع سنوات جاء مع أمه وتمّ وضعه مع الذكور " .

محاكم ميدانية مستقلة :

نلاحظ أنّ عدد المعتقلين الناجين من أفرع الأمن العسكري هم الأقل مقارنة بالأعداد الكبيرة التي تدخل إليه يوميا , فمن ينجو من التعذيب والأمراض , يخضع للمحاكم الميدانية وهي محاكم استثنائية وجدت منذ استلام البعث السلطة ,العميد المنشق "عناد عباس "يتحدث عن عمل هذه المحاكم فهي لا تعمل وفق أي ضوابط قانونية وغالبا ما تقوم بتنفيذ أحكام الإعدام بالمعتقلين السياسيين المحالين إليها من المدنيين والعسكريين على حدّ سواء … “أما من يحال أمام المحكمة الميدانية فإن القاضي الذي يكون عادة في رتبة عميد أو لواء يحكم دون الرجوع , إلى أي قانون وعلى هواه الشخصي ووفقا لحالته النفسية , فإذا كانت حالته النفسية سيئة أو موصى به من أجهزة الأمن فيتم إعدامه فورا ودون محاكمة " ويضيف أنّه لا توجد أرقام محددة لاستخدام هذه المحاكم داخل المعتقلات إنما تتم تصفية المعتقلين داخل أقبية المعتقلات نفسها . “قام النظام بمدبحة جماعية قتل فيها أكثر من نصف هؤلاء المحالين للمحاكم الميدانية , بتاريخ 1-4 وليس لدينا معلومات دقيقة عن الإعدام , فقط بعض الأسماء المسربة , ولا يمكن الجزم بالأعداد بسبب تعمد النظام إخفاء الحقائق "

مقابر جماعية :

ووفقا لناشطين يتم نقل الموتى أو من هم على حافة الموت , إما إلى مشفى "601” بالمزة أو إلى "مشفى تشرين العسكري في برزة ومنه إلى مقابر جماعية في منطقة نجها بريف دمشق أو البحدلية كما يعتقد , وهي تحت إشراف وسرية تامة من قوات الجيش والأمن السوري , يعمل مركز توثيق حقوق الإنسان على إصدار عشرات التقارير والشهادات لمعتقلين سابقين

تقارير دولية :

“المنظمات الدولية مثل منظمات العفو الدولية والأورو متوسطية والهيومن رايتس وتش , كلها قامت بإعداد تقارير بهذا الغرض , بالإضافة لمكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان , لا يخلو تقرير لهذه اللجنات من الحديث عن المعتقلين وهذه الأزمة وكل ذلك أدى إلى رفع الوعي الدولي بهذه المأساة , ملف المعتقلين هو الأكثر تعقيدا بالنزاع السوري , لكن للأسف هو ملف منسي , هناك عشرات الآلاف من المواطنين السوريين يتعرضون للاعتقال التعسفي , وهم قيد الاختفاء القسري , آلاف حالات الوفاة تحت التعذيب , الآلاف في سجن عدرا ينتظرون دورهم في محكمة مكافحة الإرهاب "
مجلس حقوق الإنسان وكأحد الهيئات الأممية , مُطالب بوضع قضية المعتقلين من قبل النظام السوري على رأس أولوياته , والضغط على مجلس الأمن الدولي لتحويل الملف السوري برمته إلى محكمة الجنايات الدوليّة
"خوف أهالي المعتقلين الموجودين داخل سوريا , يمنعهم حتى من توثيق أسماء أبنائهم أو إرسال بلاغات إلى منظمات الأمم المتحدة على سبيل المثال , كل هذه الظروف مجتمعة أدت إلى عدم الاهتمام بشكل كافي بموضوع المعتقلين "

ضجيج مخيف :

ضجيج مخيف ….هو مزيج من أنين المحتضرين وصراخ الجرحى , واستغاثات المعذبين و آهات المصابين حين يتعرضون لركلات ودعسات المارين من فوق أجسادهم …..ذكريات مخيفة لأجساد متفسخة قبل أن تموت وقبل أن تدفن حتى !!