طهران قالت «الأمر لي» في سورية الصغرى

حازم الامين - الحياة [caption id="attachment_2799" align="alignleft" width="300"]حازم الأمين حازم الأمين[/caption] قالت إيران للعالم عقب الغارة الإسرائيلية على موكب الحرس الثوري في القنيطرة: «الأمر لي في دمشق». وجاء نعيها الجنرال في الحرس الثوري الذي قُتل مع القادة العسكريين في حزب الله مهيناً لما تبقى من نظام بشار الأسد، ثم توجت الإهانة بتلويحها بفتح جبهة الجولان، في ظل صمت غريب ومُطبق مارسه ما تبقى من نظام البعث. رسائل كثيرة ومتعاقبة أرسلتها طهران في الـ48 ساعة التي أعقبت الغارة، كلها تمحورت حول رغبتها الشديدة في أن تكشف حقيقة أن النظام السوري لم يعد شيئاً، وأنها من يدير كفة كل شيء في دمشق. والحال أن وثبة طهران الأخيرة جاءت في سياق إقليمي ودولي يؤشر إلى أن ثمة بحثاً فعلياً يجري حول مستقبل سورية، ويبدو أن الغارة الإسرائيلية كانت جزءاً من هذا الحوار. فالمرجح أن مهمة الموكب العسكري الذي كان متوجهاً إلى القنيطرة كانت حجز موقع لطهران على خط النزاع مع إسرائيل في لحظةٍ يُعاد فيها البحث في الخريطة السورية. أرادت إيران أن تقول إن الجولان جزء من «سورياها»، وأجابت إسرائيل بالغارة. حصل ذلك في ظل تقارب إيراني أميركي، ولقاءات بين وفود رفيعة المستوى من البلدين. ما يُشير إليه مراقبون وديبلوماسيون لجهة أن ثمة «سورية مفيدة» هو ما بدأت حدوده تلوح حيث طموحات النظام فيه شبه مؤكدة، وثمة، في المقابل، مناطق واسعة من سورية تُمثل اليوم عبئاً عليه. وأن تُقتطَع من سورية مساحات «سنية»، في الشمال والشرق والجنوب، سيكون ذلك نموذجياً للأسد. والمُرجح أن لا يكون الرئيس الضعيف بوارد التمسك بمساحة مواجهة مع إسرائيل في ظل انكماش دولته الجديدة، ذاك أن «ضرورات المواجهة» كانت أملتها على نظام البعث حاجته كنظام أقلوي إلى عصبية (أكثرية) موازية للعصبية المذهبية الأقلوية. ثم إن دولته الجديدة الممتدة من دمشق إلى الساحل مروراً بحمص ستخفف من عقدة أقلويتها، وإن كانت لن تعدمها، وهو ما سيُخفف عن نظامها ثقل الشرط الممانعاتي في السلطة. الأرجح أن طهران قالت لبشار «لا». فسورية الجديدة لن تكون «مفيدة» لها إذا ما اقتطعت منها حدود «المواجهة»، تلك التي تُجيد طهران توظيفها في سعيها للتحول قوةً إقليمية مطلة من غير مكان على الحدود مع إسرائيل. وهنا على المرء أن يرصد تعمد إيران «إهانة» بشار الأسد! فأن تُهدد على لسان مسؤولين رسميين فيها بفتح جبهة الجولان، فهذا يمثل رسالة قوية إلى دمشق، لا إلى تل أبيب التي تعرف جيداً أن الجبهة لن تُفتح. وجاء الصمت الرسمي السوري حيال هذه التصريحات ليُشير إلى عدم رضا، أو إلى قبول الضعيف بحكم «قرقوش». وإذا كانت هذه طموحات طهران، فإن لتل أبيب طموحاتها في شكل «سورية المفيدة» أيضاً. فالمرجح أن يُناسبها نظام أقلوي على تلك المساحة من سورية، لا سيما إذا اقتطعت منها مناطق التماس معها. لكن الجارة الضعيفة مرشحة لنفوذ «امبرطوري» إيراني يجيد توظيف الحدود لتعزيز أحلامه في النفوذ. «سورية المفيدة» يجب أن تبتعد قليلاً عن الحدود مع إسرائيل. هذا ما حملته الغارة الإسرائيلية من رسائل، وهي في أكثر من اتجاه: إلى طهران وإلى دمشق، ولكن أيضاً إلى واشنطن. فالإقرار الأميركي المستجد بنفوذ طهران في العراق وفي سورية، ومؤخراً في اليمن، يجب أن لا يرقى إلى مرحلة إقرار بالنفوذ على مساحة جديدة من الحدود مع إسرائيل، لا سيما أن طهران استعادت «حماس» مؤخراً، وبالتالي تضاعفت نوافذها على تل أبيب في المرحلة الأخيرة. [one_fifth]إن ما تريده الولايات المتحدة من ســورية أخذته، وهو ترسانتها الكيماوية وتأمين الحدود مع إسرائيل وبعض الاستقرار في لبنان. واليوم، يتقاتل في سورية أشد عدوين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط عداء، وهما «داعش» و»حزب الله»، وهذا ما أمّن لواشنطن ما لا يؤمنه لها وجودها العسكري المباشر[/one_fifth] لكن يبدو أن ضمور سورية لن يعني تقسيماً، فالمناطق التي تفيض عن مساحة الدولة الجديدة، وهي أكثر من ثلثي مساحة سورية، لا يبدو أنها مرشحة لأن تتحول إلى دول. الجنوب الذي تتصارع عليه طهران وتل أبيب لا يتسع لدولة، وهو في معظمه امتداد لبادية تطمح بمياه جبلها وبأفخاذ عشائرها، فيما الشمال والشرق اللذان تصول «داعش» في ما تبقى منهما بعدما دمر الأسد مدنهما، فتشملهما طموحات امبراطورية موازية تخترق الحدود السورية العراقية وتصل إلى نينوى، فتستعيد أحلام طريق الحرير وولاية الموصل وتضم حلب إليهما. وما الصورة التي التقطها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لنفسه محاطاً بجنود يرتدون أزياء تلك المرحلة وغيرها من مراحل الصعود الإمبراطوري لتركيا، سوى مؤشر رمزي على ما يمكن أن يجول في رأس الرجل. فـ «داعش» التي اقتطعت تلك المساحات والمدن من سورية والعراق يُمكنها أن تُغير الخرائط، لكنها لن تتمكن من البقاء فيها، وتركيا الأردوغانية التي قالت للعالم إنها تريد ثمناً إذا ما قررت أن تقضي على «داعش»، تُفكر من دون شك بتلك المساحة، وتعرف أن سورية «المفيدة» والعراق «الشيعي» لن يتسعا لحلب وللموصل، وأن المدينتين كانتا ذات يوم خارج هذين الوعاءين. طبعاً تتفاوت سرعة التوجه نحو هذا المصير الافتراضي لسورية بين الشمال والجنوب. في الجنوب يبدو أن البحث به وضع على نار حامية. وساعدت على تسريع البحث حقيقة أن تل أبيب لا تؤجل ملفاتها، وتجيب عن عمل طهران الدؤوب والممل لإنتاج جبهة جديدة في الجولان بسرعة وحسم يُشبهان وثباتها منذ نشوء كيانها. ومن الواضح أنها حددت ماذا تريد. لا تريد لبشار أو لنظامه أن يتهاوى، وفي الوقت نفسه تريد حدودها في يد معارضيه من أبناء المنطقة، فهؤلاء أضعف من أن تكون لهم طموحات بدولة، وربما كان من السهل إلحاقهم في ما بعد بامتداداتهم الجغرافية والعشائرية. قال ديبلوماسي غربي لصحافي عربي ذات يوم ليس بعيداً، إن ما تريده الولايات المتحدة من ســورية أخذته، وهو ترسانتها الكيماوية وتأمين الحدود مع إسرائيل وبعض الاستقرار في لبنان. واليوم، وفق هذا الديبلوماسي، يتقاتل في سورية أشد عدوين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط عداء، وهما «داعش» و»حزب الله»، وهذا ما أمّن لواشنطن ما لا يؤمنه لها وجودها العسكري المباشر. صاحــب هذا الاعتقاد أصــيب بخــيبة جراء واقعة القنيطرة. طهران قالت «الأمر لي» على الحدود السورية الإسرائيلية، وجواب تل أبيب كان مؤلماً.