دي ميستورا يجرب بدماء السوريين

5 أغسطس، 2015

علي العبدالله

رغم المحصلة السلبية للمشاورات واللقاءات التي أجراها السيد دي ميستورا طوال الأشهر الأخيرة إلا انه لم يتورع عن طرح خطة عمل “تمهد الطريق لحل سياسي للصراع السوري”. الخطة ظاهرها عملي يقوم على تشكيل مجموعات عمل متوازية مكونة من سوريين تتعامل مع المحاور الرئيسية لبيان جنيف وتطبيقه على مراحل تبدأ ببحث قضايا: الأمن وحماية الجميع ونقاش آليات التوصل إلى ذلك، بما فيها رفع عمليات الحصار وتأمين وصول المساعدات الطبية وإطلاق المعتقلين، إلى جانب أمور سياسية ودستورية بما في ذلك هيئة حكم انتقالية وانتخابات، كمدخل لوقف العنف والمضي قدما في العملية السياسية، “لا نستطيع أن ندع الوضع في سورية يواصل الانجراف، إننا بحاجة إلى التحرك في الاتجاه الذي يجمع السوريين لوقف العنف وتحديد مسار لا رجعة فيه نحو انتقال سياسي حقيقي”، كما قال في إحاطته أمام مجلس الأمن، وجوهرها، على الضد من ذلك، مجرد وبعيد عن الواقع. فقد لمس من خلال لقاءاته مع ممثلي النظام والمعارضات السورية، السياسية والعسكرية، أن الفجوة بين المواقف واسعة والخيارات المطروحة كثيرة إلى درجة استحالة إيجاد قواسم مشتركة بينها فـ”لا يوجد حتى الآن توافق في الآراء على بيان أو عقد مفاوضات رسمية جديدة بين أطراف الأزمة السورية بشأن كيفية المضي قدما لحلها” وفق ما قال في إحاطته. لقد سمع خلال زيارته الأخيرة إلى دمشق أن خيار النظام هو الحسم العسكري، وسمع قول رأس النظام “إن الحديث عن حل سياسي للازمة السوري أجوف وعديم المعنى”، واستبعاد وزير خارجيته وليد المعلم لـ جنيف3، ناهيك عن عشرات التصورات والمواقف التي سمعها خلال مشاوراته مع شخصيات من المعارضات السياسية والعسكرية والسقوف العالية التي انطوت عليها. وغياب أرضية مشتركة بين النظام والمعارضة ليس العقبة الوحيدة أمام خطة السيد دي ميستورا بل هناك ما هو أخطر وأكثر تأثيرا: تعدد وتناقض المواقف الإقليمية والدولية حول طبيعة الحل السياسي وعدم وجود توافق على آليات تنفيذية تلبي المصالح المتعارضة، بل وشديدة التعارض، فقد سمع، خلال زيارته إلى طهران، كلاما إيرانيا عن خطة رباعية تشمل “وقفا شاملا للنار على المستوى الوطني، وتأليف حكومة وحدة وطنية تقتصر على ممثلين عن النظام ومعارضة الداخل، والمباشرة في وضع أسس نظام جديد لنقل صلاحيات رئاسية إلى الحكومة، بحيث تصبح هذه الحكومة مع مرور السنوات متمتعة بصلاحيات واسعة، وإعداد انتخابات رئاسية وبرلمانية”. في حين تتبنى روسيا، القلقة من تآكل قدرات الجيش وتهلهله كمؤسسة، كانت ترى فيه بؤرة نفوذها، ومن تراجع النظام عسكريا وإمساك إيران بالقوات الموازية، التي تدربها وتسلحها وتمولها، وإدارتها للعمليات العسكرية، خطة مختلفة قائمة على “انتخابات برلمانية مبكرة يشارك فيها جميع السوريين، بمن فيهم اللاجئون بعد حصولهم على الوثائق اللازمة، تنبثق من هذه الانتخابات حكومة انتقالية تتولى إعادة النظر في الدستور والإشراف على هيكلة المؤسسات العسكرية والأمنية، بمشاركة فاعلين في هذه المؤسسات من دون استبعاد أحد حتى أولئك الملطخة أيديهم، والاتفاق على ضمانات لرئيس النظام، بعد أن باتت مقتنعة بأن لا حل في ســــوريا مع بقائه في السلطة، والحلقة الضيقة المحيطة به”. بينما تسعى الولايات المتحدة إلى إقناع مصر بتعديل موقفها بالابتعاد عن الموقف الإيراني والتطابق مع الموقف الأميركي السعودي من جهة، وتوثيق التفاهم والتنسيق السعودي التركي للتحرك مع الكتائب التي تدعمهما على الأرض لتشكيل قوة كبيرة ضاغطة تدفع النظام إلى القبول بالحل السياسي من جهة ثانية، وقد بدأت بخطوات عملية من خلال الاتفاق مع تركيا على استخدام قواعدها من قبل الطائرات الأميركية مقابل السماح لها بإقامة منطقة آمنة في المنطقة الفاصلة بين جرابلس وعفرين بطول 140 كم وبعمق نحو 40 كم حتى حدود مدينة حلب، تخرج “داعش” منها وتمنع تمدد وحدات حماية الشعب الكردية إليها، وقرارها بتقديم دعم جوي للمعارضة المعتدلة في حال تعرضها للهجوم حتى من قبل القوات الموالية للنظام. وهذا مع الأخذ بعين الاعتبار الاستحقاقات الداهمة، التي ستشغل دولا كثيرة عن الملف السوري، من اقتراب موسم الانتخابات الرئاسية الأميركية إلى الانتخابات البرلمانية الإيرانية واحتمال ذهاب تركيا إلى انتخابات برلمانية مبكرة وتداعيات عاصفة الحزم. فإذا كان هدف التصور أن “يبقي الموضوع حيا”، كما قال دي ميستورا في إحاطته، وإعطاء انطباع بان الأمم المتحدة حاضرة في المشهد السوري وقادرة على لعب دور فاعل، بعد أن تجاهلتها الدول الفاعلة، إلا انه تسبب في ردود فعل سلبية لأنه تجاهل جوهر المشكلة وتحاشى الاصطدام بالدول المؤثرة في الصراع بعدم الاقتراب من العقبة الرئيسة: رفض النظام للحل السياسي وتمسكه بالخيار العسكري واستعداده للذهاب إلى النهاية دون اعتبار للنتائج المأساوية التي ستلحق بالبلاد والعباد، بالإضافة إلى تحاشيه الإعلان عن المسؤول عن هدر دم المواطنين وتدمير حياتهم ومستقبل أبنائهم، ما دفع الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة إلى انتقاده في بيان علني قال فيه:” لطالما عبَّر الائتلاف الوطني، بوصفه الممثل الشرعي للشعب السوري، عن التزامه بالحل السياسي وبيان جنيف وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، واستعداده للانخراط في عملية انتقال سياسي فعالة في سورية، بينما رفض النظام ذلك وأعاق جهود الأمم المتحدة على المستويين السياسي والإنساني، وهو الأمر الذي تجاهله المبعوث الخاص، وساوى، في مجافاة للحقيقة؛ بين الطرفين في تبني منطق الحلِّ العسكري، الأمر الذي ينطبق على النظام حصراً وهو يواصل حربه الوحشية على الشعب السوري”. هذا بالإضافة إلى الوقت الذي ستستغرقه الخطة واحتمال عدم وصول اللجان إلى اتفاق، والثمن الذي سيدفعه الشعب السوري في انتظار نتيجة خطة ليست مضمونة النتائج.

المصدر: المدن اللبنانية

“دي ميستورا يجرب بدماء السوريين”