تخلي إيران عن الأسد.. تضحية بـ«حزب الله»!

جاكسون ديل

بعد أن أصبح الاتفاق النووي الإيراني في متناول اليد، يبدو الرئيس أوباما على استعداد لتركيز اهتمامه بشكل أكبر على وقف الحروب والأعمال الوحشية والكوارث الإنسانية التي انتشرت في أنحاء الشرق الأوسط خلال رئاسته للولايات المتحدة. وقد حدد بعض الأهداف الكبيرة التي يريد تحقيقها قبل انصرافه من البيت الأبيض: وضع الولايات المتحدة وحلفاءها على «المسار الصحيح» لهزيمة تنظيم «داعش»، و«بدء عملية لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا»، والدفاع عن إسرائيل وغيرها من حلفاء الولايات المتحدة من العدوان الذي تصعده إيران ووكلاؤها.

وهنا تكمن المشكلة: إن آخر اثنين من تلك الأهداف، كما يتصورهما الرئيس، يتعارضان مباشرة مع بعضهما البعض.

وفي المؤتمر الصحفي الذي ألقاه عقب إبرام الاتفاق، اعترف أوباما بأن إيران قد تستخدم بضع المليارات التي ستتلقاها لتزويد «حزب الله» اللبناني بأسلحة جديدة، وتعهد بأن يبذل قصارى جهده لمنع ذلك الاحتمال. وقال «إن هذا يصب في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة لمنع إيران من إرسال أسلحة إلى حزب الله».

وفي نفس الوقت، وصف أوباما الحل للأزمة السورية بأنه يتطلب «اتفاقاً بين القوى الرئيسية التي تهتم بسوريا»، وأضاف: «إن إيران واحد من هؤلاء اللاعبين، وأعتقد أنه من المهم بالنسبة لها أن تكون جزءاً من هذه النقاشات».

هذا التصريح يعد تغييراً في سياسة أوباما السابقة بشأن استبعاد إيران من محادثات السلام السورية. وبناء على إصرار الولايات المتحدة، لم تشارك إيران في مؤتمري جنيف السابقين (2012 و2014). وأهم من ذلك، أن الاعتراف برأي إيران بشأن سوريا يتناقض مع هدف أوباما بمنع دعمها لـ«حزب الله». هذا لأن دعم إيران العميق والثابت حتى الآن لنظام بشار الأسد سببه استخدامها لسوريا كجسر بري إلى الميليشيات الشيعية في لبنان.

ومن جانبه، يقول «روبرت فورد»، السفير الأميركي السابق في سوريا إن «حزب الله» هو «الناقل الجوي لإيران في شرق البحر المتوسط». فهذه الميليشيا تنشر عشرات الآلاف من الصواريخ في جنوب لبنان، مستهدفةً إسرائيل، وهي ضمانة لعدم قيام أي حكومة في لبنان دون موافقة طهران، كما أن مقاتليها يحافظون على نظام الأسد قائماً في دمشق، ليس حُباً لطائفته العلوية وإنما للحفاظ على هذا الرابط لإيران.

ولأنها تفتقر إلى وجود مدخل بحري إلى لبنان، تحتاج إيران للسيطرة على مطار دمشق والحدود بين سوريا ولبنان، لضمان إعادة تموين «حزب الله». ولأنه يفقد أرضه لمصلحة المتمردين في الشمال والجنوب، فإن جيش الأسد –وهو نفسه وإلى حد كبير وكيل إيراني- بدأ يركز على الدفاع عن شريط ضيق من الأراضي الواقعة بين دمشق والحدود اللبنانية.

ويرى «فورد» وغيره من الخبراء المتخصصين في الشؤون السورية، أن المرشد الأعلى الإيراني خامنئي لن يقبل مطلقاً بتسوية للحرب السورية، إذ يعتبر ذلك بمثابة التنازل عن طموحات إيران الإقليمية، بما في ذلك قدرتها على تهديد إسرائيل. «إن سياسة إيران الشاملة.. تركز بشكل صارم (في سوريا) على حزب الله»، حسب «فريدريك هوف»، المستشار السابق بوزارة الخارجية الأميركية. ويتساءل هوف: كيف إذن نتفق مع خامنئي على مستقبل سوريا؟ وماذا يُفترض أن نفعل؟ هل نساعد على إيجاد بديل للأسد، الذي يعمل مع إيران للحفاظ على الصواريخ والقذائف موجهة لتل أبيب؟

للتأكد، فإن وصف أوباما لآفاق الدبلوماسية بشأن سوريا لا يبدأ بإيران وإنما بروسيا التي تعد الداعم الرئيسي الآخر لنظام الأسد. وقد ذكر مسؤولون أميركيون أن أوباما كان له محادثات واعدة مع بوتين بشأن سوريا في الأسابيع الأخيرة. ومن الممكن على الأقل تخيل ماذا سيكون شكل الصيغة الأميركية الروسية المشتركة: إزاحة الأسد، والسماح للمعارضة غير الجهادية بالانضمام لحكومة جديدة تحارب «داعش».

والمشكلة، كما يشير «هوف»، هي أن روسيا تفتقر للنفوذ اللازم لإحداث تغيير في القيادة السورية. فنظام الأسد مدعوم تقريباً بشكل كامل بالمال والسلاح والمقاتلين الذين تقدمهم إيران. وطهران، كما يقول فورد، «ليست على استعداد للتخلي عن الأسد». فمن وجهة النظر الإيرانية، ليس هناك سبب للتخلي عن النظام ما لم يثبت أنه غير قادر على الحفاظ على دمشق ومنطقة الحدود. أما في سائر أنحاء البلاد، فإن إيران الشيعية راضية -وحتى سعيدة- بمشاهدة «داعش» وقوات المتمردين السوريين السنية وهي تقاتل حتى الموت.

المصدر: الاتحاد الإماراتية