هل تخلت موسكو عن بشار الأسد؟

منير الماوري

خطت روسيا أول خطوة عملية ترجّح صحة توقعات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، التي أتت قبل أيام، بأنّ موسكو تتجه إلى ‏التخلي عن الرئيس السوري، بشار الأسد، فبعد أن تكفل الفيتو الروسي بحمايته من أي إجراء دولي ضده طوال سنوات ‏الأزمة السورية، فوجئ العالم، اليوم الخميس، بموافقة روسيا على مشروع قرار أميركي في مجلس الأمن، من المتوقع التصويت ‏عليه غداً، الجمعة، يفتح المجال أمام محاسبة المسؤولين عن استخدام السموم الكيماوية في سورية.‏

وجاء الإعلان عن موافقة روسيةٍ على مشروع القرار الأممي، بعد لقاء ضم وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، مع نظيره ‏الأميركي، جون كيري، على هامش اجتماعات وزراء الخارجية في دول منظمة “آسيان” بماليزيا.

وتولّى كيري إعلان نبأ ‏الموافقة الروسية بنفسه، من ذات المكان، موضحاً أن مشروع القرار الجديد يتضمن آلية دولية للتحقيق، وتحديد هوية المسؤولين، ‏وإحالتهم للمحاسبة، وهو ما كانت القرارات السابقة تفتقر إليه، إذ كانت تقتصر على إدانة مرتكبي الجرائم، دون تحديد ‏هوياتهم أو هوية من أصدر الأوامر، وذلك لضمان عدم اعتراض روسيا.‏

في هذا السياق، وصف العديد من المراقبين الموافقة الروسية على مشروع قرار المحاسبة، بأنه تغيير جوهري في الموقف الروسي، قد يقود في ‏نهاية المطاف إلى محاكمة بشار الأسد ذاته.

في المقابل، قلّل مراقبون آخرون من شأن الموقف الروسي، معتبرين أنّ الآلية المقترحة في ‏مشروع القرار، قد تسمح بتحديد هويات متورطين صغار، ولكن روسيا ستظل توفر الحماية للأسد، زاعمين أن موسكو واثقة من ‏أن الأسد قد تخلى نهائيا عن مخزونه الكيماوي.

وفسّر هؤلاء الموافقة الروسية على أنّها لم تتم إلا بعد تلقي وزير الخارجية ‏الروسي ضمانات من نظيره الأميركي، بأن يتم الاكتفاء بمحاسبة المسؤولين المباشرين، دون الحاجة لتصعيد الأمر إلى الأسد. ‏

وكانت الولايات المتحدة وروسيا قد اتفقتا، في 14 سبتمبر/ أيلول 2013، على أن تسلّم سورية مخزونها من السلاح الكيماوي ‏للمنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيماوية، من أجل التخلص منه في الخارج، وتم تحديد 27 أبريل/ نيسان 2014 موعداً نهائياً ‏للتخلص من المخزون بعد تأجيله لعدة أشهر، لتعلن المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيماوية، في 23 ‏يونيو/ حزيران 2014، أنّ سورية قامت بشحن آخر دفعة من هذا المخزون، الذي أعلنت عنه في السابق، للتخلص ‏منه خارج البلاد، بحسب الاتفاق الذي وافقت عليه.

في المقابل، أكد بعض الخبراء المختصين، حينها، أن “الرئيس بشار الأسد ‏لم يعلن عن كل مخزونه من السلاح الكيماوي، وربما يحتفظ بجزء منه في بعض المواقع المخصصة لذلك”. ويجادل أصحاب ‏الرأي المناقض، بأن تخلي الأسد عن السلاح الكيماوي قبل عامين، رفع عن كاهله العصا الأميركية التي كانت تهدده بضربة ‏عسكرية، في حين أن عودته لاستعمال السلاح ذاته رفعت عنه الحماية الروسية.‏

وتشير تكهنات وتحليلات أخرى، إلى احتمال وجود صفقة روسية أميركية، تتعلق بتسوية في سورية تضمن بقاء النظام ورحيل ‏الأسد، وفقا لما كان يتردد سابقاً، في حين ارتفع سقف توقعات أخرى، بالقول إن قطار التغيير في سورية، سوف يكون جذريا بقيادة ‏عربية.

واستند هؤلاء في ذلك إلى ما استنتجوه من ثنايا كلمات الثناء التي أسبغها الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في خطابه الأخير، ‏على الدور الذي قام به التحالف العربي في اليمن، وتعهده بمساعدة الحلفاء العرب، على مواجهة أية أوضاع أخرى، شبيهة بالوضع ‏اليمني، معتبرين ذلك ضوءاً أخضر للتدخل في سورية.‏

وكانت روسيا قد جنبت الأسد ضربة أميركية قبل عامين، عندما فضح معارضون سوريون للعالم حقيقة استخدام نظامه السلاح ‏الكيماوي في منطقة الغوطة الشرقية، بمحافظة ريف دمشق. ووقعت هجمات بغازات سامة في مناطق عدة من البلاد خلال ‏الحرب الدائرة، أودت بحياة المئات، وعجلت باتفاق دولي على تدمير ترسانة النظام الكيماوية، برعاية الأمم المتحدة.‏

هذا ويتضمن مشروع القرار الأممي الجديد بشأن سورية، تكليفاً للأمين العام للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، بتشكيل ‏فريق من المحققين لتحديد المسؤول عن هجمات مفترضة لاحقة بغاز سام في سورية.

كما ينص مشروع القرار على تكليف لجنة ‏التحقيق المفترض تشكيلها، بتحديد أسماء ومنظمات ومجموعات وحكومات معينة، متورطة في استخدام أو تمويل استخدام الأسلحة ‏الكيميائية في سورية.

يشار إلى أن المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية يتألف من 41 عضوا، ينتخبهم المؤتمر ‏لولاية مدتها سنتان، وتُمَثَّل كل مجموعة إقليمية فيه، على النحو التالي: تسعة أعضاء من أفريقيا؛ وتسعة أعضاء من آسيا؛ ‏وخمسة أعضاء من أوروبا الشرقية؛ وسبعة أعضاء من أميركا اللاتينية والكاريبي؛ وعشرة أعضاء من أوروبا الغربية والدول ‏الأخرى؛ وعضو واحد يعيَّن دورياً مرة من آسيا ومرة من أميركا اللاتينية والكاريبي.‏

وسيمهد القرار الدولي المرتقب لخبراء المنظمة تحديد المسؤولية عن هجمات غاز اللكورين. ومن غير المتوقع أن يعترض أحد ‏على القرار، بعد أن وافقت عليه موسكو، التي ينظر إليها على أنها أقرب حلفاء دمشق.

وكان مجلس الأمن قد هدد سابقاً بعواقب ‏وخيمة للهجمات بالغازات أو السموم، وقال المتحدث باسم البعثة الروسية في الأمم المتحدة، أليكسي زايتسيف، أن “العمل ‏التحضيري للتصويت على مشروع القرار اكتمل تقريباً”.. مرجّحاً أن يتم التصويت عليه غداً، الجمعة.‏

تنبؤات أردوغان

يُذكر أنّ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، كان أول من بشّر بأن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يتجه إلى “التخلي” ‏عن نظيره السوري بشار الأسد، في أقوال نقلتها الصحف التركية، الإثنين الماضي.

وأوضح أردوغان أن بوتين “لم يعد يشاطر ‏الرأي القائل بأن بلاده ستقف إلى جانب سورية حتى النهاية”، مضيفاً “أعتقد أنه يتجه إلى التخلي عن الأسد”. وجاءت تنبؤات ‏أردوغان بعد لقاء مطول في حزيران/ يونيو مع بوتين في أذربيجان، تلته محادثات هاتفية عديدة لاحقاً.‏

وكانت تقارير إعلامية قد كشفت قبل أسابيع عن مغادرة المزيد من الدبلوماسيين والجالية الروسية الأراضي السورية، لأسباب لم ‏تكن واضحة في حينه.

وبالتزامن مع ذلك، كشف مصدر عسكري سوري، لـ”العربي الجديد”، في وقتٍ سابق أن “النظام قام عقب ‏الاتفاق على تدمير السلاح الكيماوي السوري، بنقل كميات كبيرة من مخزونه الكيماوي من أماكن لم يفصح عنها، ووضعها في مستودع أصبح مكانه معلوماً، ويحوي أنواعاً مختلفة من الأسلحة الكيماوية بما فيه غاز السارين”.‏

المصدر: العربي الجديد