الإرهاب يأكل نفسه

يونس السيد- الخليج

أزمة خلافة الملا عمر زعيم حركة طالبان الأفغانية، بعد إخفاء وفاته لمدة سنتين، وفق بعض التقارير، والتي انفجرت إلى العلن مؤخراً، أظهرت انقسامات حادة في صفوف هذه الحركة، التي كانت تبدو متماسكة حتى وقت قريب، ما يضع علامة استفهام كبرى حول بقائها موحدة، ويضفي مزيداً من الغموض على خطواتها المستقبلية وقدرتها على التأثير كما فعلت طوال نحو عقدين من الزمن.
كان البيان المفاجئ لعائلة الملا عمر برفض تعيين الملا أختر منصور خليفة له، هو مفتاح تسليط الضوء على الصراعات المتفاعلة داخل هذه الحركة، والتي ظلت تحاط بالكتمان والسرية التامة، رغم أنها كانت قائمة وموجودة بالفعل، ثم جاء بيان استقالة رئيس المكتب السياسي للحركة في الدوحة محمد طيب آغا ليوضح حجم هذه الأزمة التي تطال أعلى الهرم التنظيمي، بالرغم من تحفظه الشديد إزاء ما يجري داخل الحركة ومحاولة النأي بنفسه عن أي صراعات أو مواقف محددة. لكن آغا اعتبر أن «إخفاء موت الملا عمر سنتين خطأ تاريخي»، وأبدى أسفه لعدم التشاور مع «القادة في أفغانستان» في شأن اختيار الملا منصور. وثمة تكهنات بأن المكتب السياسي للحركة أقصي عن مفاوضات جرت في بداية يوليو/ تموز الماضي بين ممثلين لها وموفدين للحكومة الأفغانية في إسلام آباد برعاية أمريكا والصين، بعد أن كان الملا عمر، قد ترك خياراته مفتوحة من خلال نقلها للمكتب السياسي في الخارج.
وفي هذا المجال، قيل كلام كثير عن دور للاستخبارات العسكرية الباكستانية في ترتيب العملية الانتقالية بهدف السيطرة على الحركة وتوجيه المفاوضات بين طالبان والحكومة الأفغانية لمصلحة باكستان، وهناك أحاديث عن إقصاء القيادات الموالية للملا عمر، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل بدأت مرحلة تفكك حركات التطرف والإرهاب، أو هل بدأ الإرهاب يأكل نفسه بنفسه؟ ثمة أسباب كثيرة، بالطبع، لتفكك هذه الحركات، منها ما يتعلق بالهزائم أو الانكسارات الموضعية، ومنها ما يتعلق بمحاولات الاستئثار بالسلطة والنفوذ، إلى جانب الفساد والممارسات الخاطئة وعمليات النهب والسلب وفرض الإتاوات على الناس الذين يقعون تحت سيطرتها، والأهم من ذلك هو الاختراقات الاستخباراتية كما هو الحال بالنسبة لحركة طالبان و«القاعدة» الأم وتنظيم «داعش» وجبهة «النصرة» وغيرها. والأمثلة واضحة وجلية، فقد سبق أن شهد تنظيم «القاعدة» انشقاقات عديدة، و«داعش» نفسه ولد من رحم هذا التنظيم، لا بل شهد الكثير من الانشقاقات الداخلية، التي غالباً ما كان يذهب منفذوها إلى مقصلة الإعدام، تماماً كما هو حال من يعتبرهم متخاذلين في أرض المعركة. كما شهدت جبهة «النصرة» انشقاقات مماثلة، دون أن تخلو هذه الانشقاقات من صراعات دموية مباشرة بين بعضها بعضاً، ومنها من استعدى الناس الذين جاء ليقاتل من أجلهم كما هو حال بعض المسلحين في ضواحي دمشق حيث خرج الناس في تظاهرات تطالب برحيلهم. وفي كل هذه لم تبتعد الأصابع الخارجية عن محاولة توجيه هذه الحركات والفصائل وتوظيفها وفقاً لمصالحها وأهدافها، وهو ما يشي بأن الإرهاب بدأ يأكل نفسه بالفعل.