طريق سوريا إلى الأمام

جيمس زغبي

أثارت جلبة المناقشات الأخيرة الثنائية ومتعددة الأطراف التي تضم الأميركيين والروس والسعوديين وآخرين، تكهنات بأنه من الممكن أن تكون هناك دفعة جديدة للمفاوضات تهدف إلى وضع نهاية للصراع في سوريا. ولا يسعني سوى الأمل ألا تكون التكهنات مجرد تفكير حالم، لأنه كان من الأفضل منذ البداية توضيح أن الحل التفاوضي هو الطريق الوحيد لإنهاء هذه الحرب الطويلة.

ومن البداية، كان ينبغي توضيح أن مسار الصراع تشكله ثوابت لا يمكن تجاهلها. وبعد سنوات، مع سقوط ربع مليون قتيل، ونزوح ونفي نصف سكان البلاد، أضحت الحرب السورية أكثر مأساوية وتعقيداً مما كان يمكن لأي شخص أن يتخيل في البداية، ولكن الثوابت تظل كما هي.

وأولاً وقبل كل شيء، كان من الواضح أن مجموعة كبيرة من السوريين أرادوا رحيل النظام. وبالنسبة لهم، لم تفقد الطبقة الحاكمة فقط شرعيتها، وإنما لم يعتبرونها ذات شرعية من الأساس. وعندما قوبل المتظاهرون بالقوة الغاشمة، ودمرت أحياؤهم بالبراميل المتفجرة، وقتل المدنيون بالأسلحة الكيماوية، بدأ الغضب يزداد تجاه النظام.

وفي الوقت ذاته، من المهم بالمثل الإقرار بأن عدداً كبيراً من السوريين يخشون التغيير، وخصوصاً ذلك النوع من التغيير الذين يمكن أن تجلبه المعارضة. وسواء الأقليات الدينية أو المناطق الحضرية العلمانية، يعتبر هؤلاء السوريون أن من يسمّون «الثوار» من أصحاب الدوافع الدينية يمثلون تهديداً وجودياً على ما يعنيه كونهم «سوريين»، أو حتى على بقاء مجتمعاتهم. ولم يثق أبداً هؤلاء السوريون في المعارضة الخارجية، ومع ظهور «القاعدة» و«داعش» على الأرض تحولوا إلى النظام للدفاع عنهم، على رغم ازدرائهم ورفضهم لسياساته.

ومن الواضح أيضاً منذ البداية، أن ما يحدث في سوريا سيتأثر بالقوى الإقليمية المتنافسة، وهو ما سيكون له في المقابل تأثير مأساوي على المنطقة بأسرها. وبالنسبة لإيران، تعتبر سوريا حليفاً أساسياً وعملياً لا يمكنها التخلي عنه، أما روسيا، فكانت سوريا، بالنسبة لها، من الأصول الاستراتيجية التي لم ترغب في التنازل عنها. ورأت أيضاً تركيا أن الأحداث التي تجري في سوريا تمثل تهديداً على أمنها وسياساتها الداخلية.

وأما بالنسبة للأردن ولبنان، فالأحداث في سوريا لطالما شكلت تحدياً على استقرارهما، في حين أن توسع الدور الإقليمي لإيران ظل دائماً يمثل تهديداً بالنسبة لدول الخليج والدول العربية.

وفي النهاية، في ظل التجارب الأخيرة للصراعات الطائفية في لبنان والعراق، كان من الأحرى أن يكون واضحاً من البداية، أن الصراع في سوريا لو ترك دون حل، ستزداد رقعته، وأنه سيصبغ بصبغة طائفية، مع انتماء كثير من الجماعات الداخلية إلى قوى خارجية، وفي ضوء ميزان القوى الإقليمية، لم ولن يستطيع فريق تحقيق انتصار حاسم على الآخر. وبلغة الحرب الأهلية الطويلة في لبنان، لن يكون هناك منتصر أو مهزوم في سوريا.

وبعد أربعة أعوام ونصف العام في هذا الكابوس، لا تزال هذه الثوابت تحدد مسار الأحداث الدامي، وأتذكر عندما بلغت حصيلة الحرب ثلاثة آلاف، أنني كنت في نقاش مع مجموعة من السوريين الذين كانوا يخبرونني بأن الولايات المتحدة لو منحت مزيداً من الأسلحة للمعارضة، فإن الصراع سينتهي. وزعمت حينئذ أن مثل هذه الرؤية تتجاهل كافة الثوابت الأخرى القائمة. ولأنه كانت هناك قوى أخرى لها مصالح في سوريا، كان سيؤدي منح مزيد من الأسلحة للمعارضة إلى زيادة المساندة الإيرانية وحتى الروسية للنظام.

ويبقى الحل اليوم كما كان في السابق قبل أربعة أعوام، فلابد من وجود تسوية تفاوضية، وسيتطلب الأمر قيادة من الولايات المتحدة وروسيا، على أن تساند الدول العربية وتركيا وإيران العملية السياسية التي من شأنها المساعدة على وضع حد للقتال.

ويبدو أن هناك بعض الإجماع في الوقت الراهن على أنه لا ينبغي السماح بانهيار هياكل الدولة السورية، على أن تظل دعائم النظام قائمة من أجل تفادي الكارثة التي حلت بليبيا والعراق. وهناك أيضاً إجماع على ضرورة هزيمة تنظيمي «داعش» و«القاعدة».

ويمكن الاتفاق على مثل هذه الأهداف من خلال عملية تفاوضية في جنيف شريطة دعمها من كافة الأطراف ذات الصلة. وهذا الحل المتصور من خلال عملية تفاوضية بين النظام والمعارضة المعتدلة، يمكن أن يسمح بمرحلة انتقالية يتم خلالها تشكيل حكومة سورية جديدة. وفشل تلك الجهود في السابق بسبب مقابلة إصرار نظام الأسد على بقائه بإصرار المعارضة على أنه يجب أن يرحل قبل أن تبدأ المفاوضات.

وهنا ينبغي أن تمارس الولايات المتحدة وروسيا والدول الأخرى الضغوط المطلوبة لتخفيف مطالب كافة الأطراف من أجل مساعدتها على إيجاد طريق إلى الأمام.

المصدر: الاتحاد الإماراتية