ما لا يقال في الأخبار
14 أغسطس، 2015
موسكو وطهران باتتا أكثر اقتناعا بضرورة الاستجابة للحلول المقترحة، وما على بشار الأسد سوى الاستجابة بدوره لما سيطلب منه إيرانيا وروسيا.
ثائر الزعزوع
ينشغل المتابعون، مؤخراً، بأخبار المباحثات متعددة الأطراف التي تشهدها عدة عواصم عربية وعالمية، وتدور كلها حول ما بات يعرف بالمسألة السورية، وجميعها تصب في خانة اتفاقات سرية وعلنية قد يتم إبرامها قريباً للتخلص من هذا الملف الشائك الذي بدا لوهلة أن لا أحد يكترث لأمره.
فعلى الرغم من التصريحات المتوالية لمسؤولين غربيين يظهرون تباعاً في وسائل الإعلام من خلال مؤتمرات صحفية، ويبدون من خلالها حرصهم الشديد على إنهاء نزيف الدم السوري، أو المجزرة والمأساة السورية كما وصفها بعضهم، إلا أن تصريحاتهم تلك لم تتجاوز حالة الحبر على الورق، ولم تتحول إلى الإطار التنفيذي الذي يمكن للشعب السوري أن يلمسه، بل إن الإدارة الأميركية التي ينظر إليها الكثيرون على أنها الأكثر قدرة على حسم المسألة برمتها في حال قررت ذلك، بدت متراخية وغير قادرة فعلياً عن اجتراح حل مهما كان، وقد اكتفت واشنطن بعد سنوات من المراقبة بتدريب عشرات المقاتلين لا لمقاتلة نظام الأسد، ولكن للقتال ضد تنظيم داعش الذي يبدو أنه يؤرق واشنطن أكثر من نزيف الدم السوري.
وإذا كانت المملكة العربية السعودية قد تبنت، وبشكل واضح، الملف السوري وأخذته على عاتقها منذ الأشهر الأولى لاندلاع الثورة الشعبية ضد النظام، فإن تقاعس المجتمع الدولي بقيادة واشنطن تحديداً جعل جهود الرياض تذهب سدى في الكثير من الأحيان.
وإذا كان خطاب الرياض واضحاً في ما يخص مستقبل العملية السياسية في سوريا والذي تشترط لنجاحه رحيل بشار الأسد الذي ترى فيه الإدارة السعودية سبباً أساسياً للمشكلة ولا يمكن أن يكون جزءاً من الحل، فإن هذا الموقف السعودي الثابت أعاد العجلة الدبلوماسية إلى الدوران مؤخراً للبحث في هذا الاحتمال فقط، ويبدو أن انضمام إيران للأسرة الدولية من باب الاتفاق النووي الذي نزع، وبشكل مؤقت، حالة العزلة التي كانت تعيشها طهران، وهي تبحث جاهدة للتخلص من الشوائب التي تعيق حركتها باتجاه الانخراط أكثر في محيطها الإقليمي أولاً، ويمثل نظام الأسد الذي تدعمه طهران واحداً من أكثر تلك الشوائب تعقيداً، فإن تلك المشاركة الإيرانية، خاصة وأنها تدرك أن إغلاق أبواب الرياض في وجهها يعني بقاء حالة العزلة تلك مدة أطول.
ولذلك فليس من المستبعد أن تتخلى إيران، وإن سراً، عن حليفها وأن تتيح للمتفاوضين الفرصة للتفكير بحل نهائي بعيداً عن تدخلها، وفي ضوء الخسائر التي لا ينفك النظام يمنى بها على كافة الجبهات العسكرية، فإن المراهنة عليه هي بمثابة المراهنة على حصان خاسر، كما أن المراهنة على استمرار الحالة السورية على ما هي عليه بات يؤرق كافة الأطراف إذا ما أخذنا بعين الاعتبار وجود تنظيم داعش على الأرض واستفادته الكبيرة من حالة الفوضى القائمة.
على الضفة الأخرى تبدي موسكو، وإن لم تعلن ذلك، مرونة غير مسبوقة حتى في تقبلها للأفكار السعودية بخصوص سوريا، وهي تبدو منفتحة على التفاوض على مستقبل الأسد، لكنها تبدي تحفظاً على الطريقة لا على المبدأ. فقد رحبت بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، تفضي إلى خروج بشار الأسد، ومن ثم الانتقال إلى المرحلة اللاحقة أي إلى سوريا ما بعد الأسد، وهي المرحلة التي كانت الرياض قد بدأت التفكير بها منذ أشهر، وكانت قد لمحت إلى احتمال عقد مؤتمر يضم كافة الأطراف السورية لرسم خارطة طريق للمرحلة المستقبلية، ويبدو أن إرجاء عقد المؤتمر يتعلق، بالدرجة الأولى، بما نشهده من لقاءات وحوارات، وإن كان المعلن على الطاولة لا يحمل جديداً على الأغلب، ولا يقود للتفاؤل بقرب التوصل إلى حل نهائي، إلا أن الهامش الذي تتحرك من خلاله كافة الأطراف يقودنا إلى الاعتقاد أن موسكو وطهران باتتا أكثر اقتناعاً بضرورة الاستجابة للحلول المقترحة، وما على بشار الأسد سوى الاستجابة بدوره لما سيطلب منه إيرانياً وروسياً لأنه يدرك أن لا قدرة لديه على الصمود دون دعم من هذين البلدين، وأن رفضه ما سيطلب منه سينزع منه أسلحته كاملة، ويضعه في مواجهة مباشرة مع الثوار الذين يتقدمون على كافة الجبهات.
المصدر: العرب اللندنية
“ما لا يقال في الأخبار”