السوريون ينتظرون ما قد لا يأتي

باسل العودات

شهدت الساحة العربية والدولية، الأسبوع الماضي، تحركات متسارعة وكثيفة تتعلق بملف الأزمة السورية، تضمنت مشاركة عدد من المسؤولين الدوليين والإقليميين الكبار. وعلى الرغم من أنّ غالبية تلك التحركات كانت غامضة الأهداف، وأسفرت عن بعض النتائج السرية، إلا أنّها كانت بمثابة مُؤشّر على عودة الملف السوري إلى دائرة الاهتمام الدولي بعد فترة من التراجع، لكن أحدا لا يستطيع الجزم إن كانت تمثل بداية العد التنازلي لإنهاء الأزمة أم لا.

وبعد فترة من اقتصار اهتمام المجتمع الدولي على الملف النووي الإيراني وقضايا دولية ساخنة أخرى لا علاقة مباشرة لها بسوريا، عاد الملف السوري على أكثر من مستوى إقليمي ودولي، في حركة دبلوماسية هي الأكثف من نوعها منذ سنوات.

اجتماعات تلتها لقاءات ورافقتها مبادرات، سمع السوريون خلالها تصريحات متلاحقة ومتناقضةّ، حول أزمتهم، والتقى أميركيون وروس مع زعماء وساسة من الدول الخليجية، كما التقى ممثلون للنظام السوري مع مسؤولين عرب، تلاها تقديم المبعوث الأممي لسوريا لمبادرة جديدة، كما تحدّث الإيرانيون عن مبادرة مقابلة، في حين ألمح الروس لوجود مبادرة ثالثة.

وفي سياق الحراك الدبلوماسي الأخير، التقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بنظيره الأميركي جون كيري، في اجتماع وصف بكونه “غير عادي” لشخصيات بمثل هذا المستوى، تدعم أطرافا مختلفة تشارك في الصراع السوري. وقد تمخّض اللقاء في النهاية عن تصريحات صادرة عن كلا الطرفين تؤكّد على ضرورة إيجاد حل للأزمة السورية، دون تعمق في سرد التفاصيل أو رسم واضح لملامح هذا الحل.

وعلى الطرف الآخر من هذا الحراك، التقى وزير الخارجية السوري وليد المعلّم بنظيره العماني، كما زار في خطوة لاحقة إيران والتقى عددا من كبار المسؤولين في طهران، بحضور مبعوث روسي رفيع المستوى. كما أدّى مسؤول أمني سوري، رفيع المستوى، زيارة سرّية إلى السعودية، اعتبرها البعض أقوى مؤشر على وجود نيّة لإنهاء الحرب في سوريا.

المعارضة السورية بدورها عقدت عدة اجتماعات في كلّ من القاهرة وبروكسل وإسطنبول لمحاولة بلورة برنامج عمل مشترك لها، وسعى عدد من منتسبيها إلى تمتين العلاقة مع مصر والسعودية، خصوصا بعد أن أدركوا أهمية المحيط العربي لحلّ أزمة بلدهم.

كذلك دعت روسيا ممثلين عن المعارضة السورية لزيارتها واللقاء بوزير خارجيتها ومسؤولين كبار آخرين، وقد سبقتها زيارة أداها وزير الخارجية السعودي لموسكو. كما أعلنت روسيا أنها ستستأنف قريبا جولة ثالثة من محادثات السلام في موسكو، كانت جولتاها السابقتان قد باءتا بالفشل.

وأوروبيا، عقدت الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي بدورها عددا من اللقاءات مع وزير الخارجية الروسي، وآخر مع نظيره الأميركي في كوالالمبور، تمحورت حول توقيع الاتفاق النووي مع إيران ومدى علاقته بحل الأزمة السورية.

وقد ترافق هذا الحراك النشط مع ظهور مبادرات عديدة صدرت عن مختلف الأطراف، حيث تقدّم المبعوث الأممي لسوريا ستيفان دي ميستورا بمبادرة لمجلس الأمن تتضمن تصوره لحل الأزمة، عبر تشكيل لجان متعددة بهدف تفكيكها لتسهيل إيجاد حلول لها. وتقدمت إيران بدورها بمبادرة في مواجهة مبادرة دي ميستورا، تنص، بحسب مصادر متطابقة، على وقف إطلاق النار وتشكيل حكومة وحدة وطنية ثم تعديل الدستور بشكل يضمن حقوق الأقليات وإجراء انتخابات مراقبة دوليا. ورغم تقاطع المبادرة الإيرانية مع بيان جنيف الذي وافقت عليه المعارضة السورية سابقا، إلاّ أنّ هذه الأخيرة رفضتها من منطلق رفضها لفكرة منح إيران أي دور في الحل من جهة، ولأن المبادرة بحد ذاتها غامضة وتتجاهل تقليص سطوة النظام السوري وأجهزته الأمنية والعسكرية، وتهدف فقط إلى تثبيت موقع طهران كلاعب أساسي في الشرق الأوسط من جهة أخرى.

وبغضّ النظر عن أنّ غالبية التحركات الأميركية تهدف بالدرجة الأولى إلى طمأنة حلفاء واشنطن العرب من عدم تغيّر سياسة واشنطن تجاههم بعد الاتفاق النووي الإيراني، إلاّ أنّ التحركات الروسية باتت توحي بأنّ هناك توافقا بين القوتين الدوليتين على ضرورة إيجاد حل لأزمات المنطقة.

لكن رغم هذه البوادر الجديدة، مازال الكثير من السوريين يعتقدون أنّ جميع المبادرات السياسية الحالية هي “غيم بلا مطر” وهي بمثابة “حمل كاذب”، لأنّ موقف روسيا لم يتغير، وكذلك مواقف إيران والولايات المتحدة والغرب عموما، ولا شيء يوحي بأن الحل قريب. كما أنهم يرون أنّه لا يمكن أن يُبنى أمل كبير على المعارضة السياسية السورية الكلاسيكية الحالية لأنّها لا تملك أيّ قدرة على التأثير، ومازالت لم تخرج من دائرة ترجّي الحل من طرف الدول الصديقة.

ولذلك فإنّ هذه الحركة الحثيثة لم تنه حالة التململ التي تسود السوريين، خاصة أنّ الحل في سوريا مازال يحتاج إلى شروط لم تتحقق بعد، وهي شروط معروفة وطريقة تحقّقها كذلك معلومة، ولكن قرار تحقيقها مازال مفقودا، والإخفاق لا يزال هو الاحتمال المهيمن في ظلّ افتقار مبادرات الأطراف المقربة من النظام للنوايا الحسنة، وهو ما يوحي بأنّ التفاؤل معقول وممكن لكنه يجب أن يقترن بتأهب جديّ لاحتمال ألاّ يحدث شيء، وألاّ يجد السوريون ما يترجم انتظاراتهم، في انتظار “جنيف 3” الذي قد لا يأتي قريبا.

المصدر: العرب