انقلاب إيران على المالكي

د. موسى شتيوي

شهد العراق في الفترة الماضية تطورات سياسية ذات دلالات بالغة الأهمية، وهي الخطوات الإصلاحية التي أعلنها رئيس الوزراء حيدر العبادي، بإعادة هيكلة بنية الدولة، كإلغاء مناصب نواب الرئيس ورئيس الحكومة وغيرها من المناصب، وسحب الامتيازات من المسؤولين، والأهم من ذلك تقديم القادة العسكريين والسياسيين، وعلى رأسهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، للقضاء لمحاكمتهم على انسحابهم من الموصل والمناطق السُنّية الأخرى أمام “داعش”، والذي مهد لسيطرة التنظيم على الموصل وغيرها.
العبادي الذي قيل عند تعينيه بأنه استمرار لحكم المالكي، قام بما يمكن تسميته “انقلاب قصر”، وانتفض ليس فقط ضد أشخاص بعينهم، وإنما ضد نهج وسياسة ميزا حقبة حكم المالكي التي اتسمت بالفساد والقمع والطائفية.
لم تأت هذه التغيرات من فراغ، بل جاءت نتيجة لتراكم مجموعة من العوامل المتداخلة التي أوصلت الأمور إلى هذا الحد. والسبب الأول هو الاحتجاجات التي قامت وتكاد تكون الأولى في المناطق التي تقطنها غالبية شيعية، المفروض أن تكون جزءا مهما من مرجعية الحزب الحاكم أو النظام، وقد جاءت هذه الاحتجاجات على أداء الحكومة التراكمي في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
الاحتجاجات كانت مطلبية بامتياز على تأخر دفع الرواتب للموظفين والانقطاعات المتكررة للكهرباء، وعلى تراجع الخدمات بشكل عام، بالإضافة إلى الفساد غير المسبوق في تاريخ الدولة العراقية. إذن، الشعب يحتج على ممثليه من الأحزاب والنواب والحكومة، وهذه حالات كلاسيكية للاحتجاجات التي تولدت من عدم قدرة الدولة على توفير الاحتياجات والخدمات الأساسية للمواطنين.
أما المسألة الثانية والتي تكون قد ساهمت في الاحتجاجات والاصلاحات التي تمت، فهي شعور القوى الشيعية المختلفة، وعلى رأسها المرجعية الدينية الأهم والأكثر تأثيراً في البلاد السيستاني، بأن الحكومة الحالية لم تعد قادرة على تمثيل وتحقيق مطالب المكون الشيعي، لا بل على العكس، هي تشعر أن هذه السياسة المدعومة إيرانياً بدأت تهدد المصالح الاستراتيجية لشيعة العراق، وبخاصة فيما يتعلق بالحرب على “داعش” والعلاقة مع المكونات الأخرى.
أما العامل الثالث والذي لا يقل أهمية، فهو التحول في الموقف الإيراني من العراق والذي لا يمكن اعتباره تغيراً جذرياً، لكنه غاية في الأهمية. فلا بد أن إيران توصلت لقناعة بأنه بات من الصعب الاستمرار بالهيمنة على السياسة العراقية كما كان في السابق، وأن ذلك أدى إلى ظهور بوادر معارضة شيعية للهيمنة الإيرانية، وفي حال استمرارها وتناميها فإنها يمكن أن تهدد المصالح الإيرانية الحالية، والتي تسعى ولو بشكل محدود لتغيير سياساتها نحو جيرانها العرب السُنة. فاستمرار الأحزاب الموالية لإيران بالسياسة العدائية نحو السُنة سيكون عبئاً عليها ويؤثر سلباً على قدرتها لمحاربة تنظيم “داعش” ويعمل على تعزيز قوته.
إن تبعية الحكومة العراقية لإيران أفقدتها مصداقيتها أمام المكون السُني وأضعفت قدرتها على محاربة “داعش” واستعادة السيطرة على الأراضي العراقية التي يسيطر عليها. ويبدو أن سياسة إيران الجديدة ستكون مبنية على تحويل العراق من دولة تابعة إلى دولة حليفة، وهذا ما قد يبرر تخلي إيران عن المالكي أو الانقلاب عليه.
إن التغيرات التي تجري في العراق الآن على درجة عالية من الأهمية، لأنها تعكس مرحلة جديدة في بناء الدولة المركزية في العراق. ولكن لا يجب المبالغة في قدرة الإصلاحات الحالية على بناء عراق موحد، لأن هناك الكثير من العقبات التي تقف في طريق ذلك والتي يجب تذليلها، لاسيما العلاقة بالمكونين السني والكردي والملفات المرتبطة بهما.
إن الهدف الأساسي من هذه التغيرات هو إعادة ترتيب العلاقة داخل البيت الشيعي، سواء كان ذلك على المستوى السياسي أو الشيعي. كذلك، هي تهدف إلى ترتيب العلاقة مع إيران، ومن ثم ترتيب العلاقة مع المكونات العراقية الأخرى. لكن لا يجب التقليل من أهمية ما يحدث في العراق حالياً، لأنه يفتح الباب على احتمالات متعددة في المستقبل.

المصدر: الغد الأردنية