روسيا والانفتاح على كل الأطراف

لا تزال روسيا متمسكة بالخطوط العريضة لسياستها التقليدية في سوريا، ولكن انفتاحها على علاقات جديدة قد يفتح نافذة للحل السياسي في قادم الأيام

سلام سعدي

تصاعد الحراك الدبلوماسي الروسي خلال الشهرين الماضيين بصورة لافتة، حتى بدت الرغبة الروسية واضحة في تحقيق تقارب سياسي مع أطراف “غير حليفة” مثل الولايات المتحدة والسعودية وتركيا وقطر، ولكن دون أن تبتعد خطوة واحدة عن معسكر الحلفاء، أي عن إيران والنظام السوري.

خلال الأعوام الأربعة الماضية، اتفقت أميركا وروسيا على “تجاوز الخلافات” عدة مرات وخصوصا في الملف السوري. لكن الخلاف بدا مستعصيا وغير قابل للتذليل بمعزل عن تطورات المعارك على الأرض. وخصوصا مع تورط النظام السوري، حليف موسكو، في مجازر دموية، لم يكن ممكنا تغطيتها والدفاع عنها من قبل الولايات المتحدة رغم أنها لم تفعل شيئا حيالها، في مقابل إنكار تام من قبل روسيا لكل الممارسات البشعة للنظام السوري.

لكن تعهدا أخيرا بـ“تجاوز الخلافات” خلال اجتماع عقد بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف وجد طريقه للتنفيذ بصورة جزئية هذه المرة، فيما بدا توجها روسيا لتقديم تنازلات طفيفة لا تغير المشهد لكنها تهيئ الأجواء من أجل نشاط دبلوماسي أكثر جدية على صعيد الملف السوري، فضلا عن الدفع لتخفيف حدة التوتر مع دول المنطقة التي دعمت، ولا تزال، تدعم المعارضة السورية بما يفتح أبواب التعاون الاقتصادي معها.

المؤشر الأول على التوجه الروسي الجديد في التقارب مع مختلف الأطراف هو اجتماع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع خالد خوجة، رئيس الائتلاف السوري المعارض في موسكو، وما صرح به خوجة من أن روسيا غير متمسكة بالرئيس السوري بشار الأسد. ورغم أن لافروف، في رد غير مباشر على الخوجة، أعاد التذكير بأن روسيا لا تزال متمسكة بالأسد في أي حل سياسي قادم، لكنها باتت تعطي إشارات حول موقف جديد منفتح على تسوية لا يكون الأسد في صلبها، وإن بدت مصرة على وجوده في موقع ما من العملية السياسية.

المؤشر الأهم على انفتاح موسكو المستجد يبدو واضحا من خلال اللقاءات السعودية الروسية الأخيرة، وما انتهت إليه من توقيع سلسلة اتفاقيات اقتصادية بين الجانبين رفعت العلاقات إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ البلدين. وخصوصا بعد توقيع اتفاقية تقوم روسيا بموجبها ببناء 16 محطة للطاقة النووية في السعودية. التقارب السعودي الروسي سبقه تأييد روسي غير مباشر للمملكة في عملياتها العسكرية في اليمن ضد الحوثيين حلفاء إيران، حليفة روسيا بدورها. في ظل التوتر الحاد الذي طبع العلاقات السعودية الروسية وخصوصاً خلال أعوام الثورة السورية، كان من المفاجئ أن تمتنع روسيا عن استخدام حق النقض “الفيتو” ضد قرار مجلس الأمن رقم 2216 الخاص باليمن قبل نحو أربعة أشهر رغم أن القرار فرض حظرا للسلاح على جماعة الحوثي، بل شكل موافقة ضمنية على التدخل العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن.

سياسة التقارب الروسية وصلت مراحل متقدمة أيضا باتفاقها مع الولايات المتحدة على قرار مجلس الأمن الذي يسمح بإجراء تحقيق في الهجمات بالأسلحة الكيماوية في سوريا، وتحديد المسؤولين عنها. واعتبر ذلك بمثابة خطوة روسية بعيدا عن النظام السوري، وباتجاه تحالف الدول التي تريد إرساء حل سياسي في سوريا لا يكون الأسد جزءا منه.

هكذا، انتعشت الآمال حول قدرة كل من روسيا والسعودية على التوافق على حل ما يخص سوريا يستبعد منه الأسد، لكن التقارب الروسي السعودي لم يكن قد بلغ بعد ذلك المستوى، فظهر جليا من خلال زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى روسيا أن الهوة لا تزال شاسعة بين الطرفين.

لا يمكن إلا أن نرى سياسة الانفتاح الجديدة التي تتبعها روسيا تجاه “أعدائها”، لكنها، بالمقابل، لا تزال سياسة محدودة وحذرة للغاية. ويمكن التأكد من محدوديتها بالنظر إلى الخطوات المقابلة التي تقوم بها موسكو تجاه حلفائها، ويبدو أهمها على الإطلاق تأكيد موسكو حديثا بأنها ستزود طهران بأنظمة مُحدثة من صواريخ “أس 300” المضادة للطائرات قبل نهاية العام الجاري.

هكذا يبدو واضحا أن سياسة التقارب الروسية الجديدة مع دول غير حليفة لا يمكن اعتبارها انقلابا في الموقف الروسي من قضايا المنطقة وخصوصا من الصراع في سوريا. إذ لا تزال روسيا متمسكة بالخطوط العريضة لسياستها التقليدية في سوريا، ولكن انفتاحها على علاقات جديدة قد يفتح نافذة للحل السياسي في قادم الأيام.