إيران التي نريدها!

صالح القلاب

بعد توقيع الاتفاق النووي بينها وبين مجموعة “1+5” لم يبدر عن إيران، حتى عن الاتجاه الذي يعتبر نفسه معتدلاً ووسطياً… وأيضاً “ليبرالياً”، الذي يتزعمه رئيس الجمهورية الإسلامية حسن روحاني، ما يشير إلى أنها ستفتح صفحة جديدة، وأنها ستستبدل سياسة التصعيد والتوتير السابقة، خصوصاً تجاه العرب ودول هذه المنطقة القريبة والبعيدة، بسياسة الاعتدال والتعاون والمصالح المشتركة، ووضع حدٍّ لاستفزازات الأعوام السابقة، وللتطلع إلى ما وراء الحدود الإيرانية، وزعزعة استقرار العديد من الدول العربية.
يُفترَض أن إيران، بعد توقيع هذا الاتفاق، تخلّصت من عبءٍ ثقيل مالياً وسياسياً وعسكرياً… ووجع رأس وإشكالات ومشاكل مع العديد من دول هذه المنطقة ومعظم دول العالم المقتدرة والفاعلة والمؤثرة، ويقيناً كان يُنتظَر من القيادة الإيرانية العليا، وعلى رأسها السيد علي خامنئي، أن تتنفس الصعداء بمجرد توقيع الاتفاق النووي، على أساس أن كل الإمكانات الإيرانية يجب أن توظَّف لرخاء الشعب الإيراني، والانتقال به من واقع القرون الوسطى إلى معطيات القرن الحادي والعشرين، ولتوفير كل ما تحتاج إليه الأجيال المقبلة، التي بالتأكيد متطلباتها ستكون أكثر كلفة من متطلبات الأجيال الحالية.
والسؤال الذي يجب أن يوجهه المعتدلون، الذين لا يُخضِعون حاضر بلدهم ومستقبله لإشكالات ومشاكل وخلافات العصور الغابرة، والذين يُفترَض أنهم يتطلعون إلى الأمام لا إلى الخلف، إلى أصحاب الرؤوس الحامية، الذين تستبد بهم نزعة “الثارات التاريخية” المفتعلة والموهومة، هو: ما حاجة إيران يا ترى إلى القنبلة الذرية حتى يتم استنزاف كل إمكاناتها من أجل الحصول عليها، وحتى يُقحَم هذا البلد في كل هذه المواجهات والصراعات، وكل هذا التوتير مع العديد من الدول العربية التي يُفترَض أنها “شقيقة”، تحت ضغط نزعة تحول الجمهورية الإسلامية إلى دولة نووية؟!
كان المتوقع أن يبادر السيد علي خامنئي، بمجرد التوصل إلى الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة وشركائها، إلى إعلان “تصفير” الخلافات مع الدول العربية، وتوظيف كل الجهود، جهود العرب وإيران، لمواجهة التحديات الصعبة التي تواجه الطرفين، وأولها الإرهاب الذي بات يخبط خبط عشواء في المنطقة كلها، ثم الأوضاع الاقتصادية المتردية، والأمراض القاتلة التي يعانيها التعليم وتعانيها التنمية، فضلاً عن مواجهة غول التصحر الزاحف على باقي ما تبقى من المناطق الخضراء.
لكن مرشد الثورة، للأسف، بدلاً من هذا كله، بادر فور توقيع الاتفاق إلى إطلاق تلك التصريحات النارية التي قال فيها، إن إيران ستبقى تتمسك بمواقفها الحالية، ولن تغير شيئاً، وستبقى تدعم “المستضعفين” في العراق وسورية ولبنان واليمن والبحرين!
نحن نعرف أن أصحاب الرؤوس الحامية في إيران، ويُفترَض أن السيد علي خامنئي رغم تصريحاته المشار إليها آنفاً، ليس من بينهم، لا يفهمون هذا الكلام الذي نقوله، وأنهم لمصالح، يتداخل فيها الشخصي بالعام الوهمي والموهوم، مع الاستمرار في التصعيد مع الدول العربية المجاورة والبعيدة، ومع مواصلة تطلعاتهم غير الموضوعية بأن تصبح الجمهورية الإسلامية الرقم الرئيسي في المعادلة الشرق أوسطية، وأن تستعيد ما يعتبرونه أمجاد فارس القديمة.
وهذا معناه المزيد من استنزاف القدرات والإمكانات الإيرانية، والمزيد من المواجهات والحروب المدمرة، وكل هذا سيكون على حساب لقمة عيش الإيراني البسيط، وعلى حساب دفاتر الأطفال الإيرانيين وأقلامهم، وعلى حساب مستقبلهم.

المصدر: الجريدة الكويتية