مأساة اللاجئين في أوروبا

ستيفن ليندمان

اللاجئون الهاربون من مناطق الحرب أو من الاضطهاد، أو الفقر أو البطالة، هم آخر مَن يحظى بالترحيب في العالم. وأمريكا تتحمل المسؤولية الكاملة عن ملايين الراحلين عن أفغانستان، العراق، سوريا، ليبيا، اليمن، دونباس (في أوكرانيا)، أو غيرها- ممن يبحثون عن ملاذٍ آمن في أوروبا أو الدول المجاورة لبلدانهم.

المجر نشرت ألوفاً من رجال الشرطة على حدودها مع الصرب، إذ زعم كبير مساعدي رئيس وزرائها، فيكتور أوربان، أنها «تتعرض لهجمات المهاجرين الذين يزدادون عدوانية»، وقد بلغها حتى الآن نحو 130 ألف مهاجر، أي ثلاثة أضعاف العدد عام 2014.
ووصل اليونانَ أكثر من 160 ألفاً، جاء نحو 50 ألفاً منهم في الشهر الماضي وحده. وهم لا يلقون أي ترحيب، وظروفهم تدعو إلى الرثاء.

العائلات تنام في العراء بسبب الاكتظاظ. الصرف الصحي غير متاح. ولا يوجد سوى القليل من الرعاية الطبية أو الطعام المغذي. والأطفال يُعطوْن الماء والسكر بدلاً من الحليب.

وذكر تقرير المفوضية العليا للاجئين في الأمم المتحدة، أن عدد مَن أرغموا على النزوح، بلغ بنهاية عام 2014، 60 مليون شخص. وعلى صعيد عالمي، هنالك واحد من كل 122 شخصاً من سكان العالم، إمّا طالب لجوء، وإما لاجئ أو مشرّد داخلياً. وأكثر من نصف لاجئي العالم أطفال.
وذكرت «منظمة أطباء بلا حدود» في الشهر الماضي، أن مركز الاستقبال اليوناني في دوديكانيس على حافة الانهيار.

ألوف اللاجئين ينامون خارج المباني المهجورة أو داخلها بسبب انعدام مرافق السكن. وليس لديهم ما يكفي من الطعام، أو الماء النقي، أو الرعاية الطبية أو الظروف الصحية الأساسية.
وفي جزيرة كوس اليونانية، ينام مئات على الأرض، «وسط الأنقاض والزجاج المحطم، في بناية متهالكة مكتظة». وتبذل فرق «أطباء بلا حدود» قصارى جهدها «في معالجة حالات مرتبطة بظروف العيش غير الصحي، بما فيها الجَرَب والإصابات الجلدية».
والمساعدات الإنسانية المطلوبة بصورة ملحة، ليست متوفرة بالكميات المطلوبة. وقد وصف مسؤول في منظمة «أطباء بلا حدود»، الوضع بأنه «انتهاك لالتزامات اليونان، والتزامات الاتحاد الأوروبي إزاء اللاجئين وطالبي اللجوء السياسي».

وبسبب الوضع الاقتصادي المتردي في اليونان، لا يستطيع هذا البلد التغلب على المشكلة بمفرده. ولا بدَّ له من الحصول على مساعدة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. يقول منسق الحالات الطارئة في منظمة أطباء بلا حدود: إنّ ترْك الناس يتدبرون أمورهم في حقل مكتظ بالنفايات، أو في مبنى مهجور لا تكاد توجد فيه أي مياه أو دورات مياه، أمر أقل ما يقال فيه إنه غير مقبول، وأنه يعرض صحة الناس للخطر».

وهنالك ألوف متزايدة من المحتاجين إلى المأوى، ودورات المياه، وتوزيع الغذاء بصورة منتظمة، والحصول على المعالجة الطبية وغيرها من الضروريات، ولكنهم لا يحصلون عليها.

وعلى الرغم من المناشدات الملحة لتقديم المساعدة، لم يحدث سوى تحسن طفيف، أو معدوم. والمهاجرون متروكون ليتدبروا شؤون بقائهم على قيد الحياة بمفردهم. وألوف منهم يهلكون في البحر، جرّاء الغرق، أو الجوع والعطش، أو ظروف الطقس السيئة، أثناء مسيرتهم بحثاً عن ملاذ آمن. ومَن يصلون منهم، لا يجدونه.
وقال تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية في يوليو/تموز: «إن المهاجرين المتجهين نحو أوروبا يواجهون سوء المعاملة والابتزاز في دول البلقان على أيدي السلطات والعصابات الإجرامية…»، وصناع القرار في الاتحاد الأوروبي، تخلوْا عنهم، وتركوهم محاصرين من دون حماية في صربيا ومقدونيا…». والظروف المزرية في انتظارهم عندما يصلون. وكما يقول نائب مدير منظمة العفو الدولية في أوروبا ووسط آسيا، غوري فان غوليك: «اللاجئون الهاربون من الحرب والاضطهاد يقومون برحلتهم عبر البلقان على أمل العثور على الأمان في أوروبا، ليجدوا أنفسهم ضحايا سوء المعاملة والاستغلال، وتحت رحمة نظم اللجوء السياسي الفاشلة».
«لقد أصبحت صربيا ومقدونيا بالوعة يتجمع فيها فيض اللاجئين والمهاجرين الذين لا يبدو أن أحداً في الاتحاد الأوروبي راغب في استقبالهم».

وينبغي على كلا البلدين أن يبذلا مزيداً من احترام حقوق المهاجرين واللاجئين. ولكن من الصعب فصل انتهاكات حقوق الإنسان هناك، عن الضغوط الأوسع التي يسببها تدفق المهاجرين واللاجئين على الاتحاد الأوروبي وعبرَه، ونظام الهجرة الفاشل في الاتحاد الأوروبي. «وإذ تتزايد أعداد اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين، الذين لا حول لهم ولا قوة، تتزايد معها الضغوط على صربيا ومقدونيا».
«وهذه الضغوط، شأنها شأن الضغوط الواقعة على إيطاليا واليونان، لا يمكن حلها إلاّ بإعادة نظر شاملة في سياسات الهجرة واللجوء في الاتحاد الأوروبي».

ويأتي المهاجرون من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتركيا فيصلون عن طريق البحر، ويتجهون نحو اليونان، وبعد ذلك يسافرون بَرّاً إلى مقدونيا، وصربيا، وهنغاريا وغيرها من الوجهات في الاتحاد الأوروبي.

وهم يعيشون ظروفاً كابوسية خلال تلك الرحلة وبعد الوصول – بما في ذلك التعرض للضرب، والابتزاز المالي وغير ذلك من ضروب الإساءات.

وفي بريطانيا، يواجه المهاجرون في مراكز اللاجئين وطالبي اللجوء السياسي ظروفاً مروّعة. فهم يُحبَسون هناك إلى أجل غير مسمّى، كالمجرمين دونما اهتمام برفاههم أو حقّهم في الاستئناف. وهم يتعرضون للتعذيب وغيره من صنوف الأذى. وتبلغ الظروف حدّاً من السوء، يدفع بعضهم إلى محاولة الانتحار.

وأزمة اللاجئين السوريين هي الأشد والأخطر منذ الحرب العالمية الثانية، إذ إن ما يقرب من نصف سكان البلاد مشردون داخلياً أو خارجياً، هرباً من الحرب إلى مخيمات اللاجئين، على مسؤوليتهم في أغلب الأحيان، وبالحدّ الأدنى من المساعدة لإنقاذ حياتهم.

واللاجئون وطالبو اللجوء غير مرغوب فيهم على نحو متزايد، لا سيّما وأنّ أعدادهم تتنامى باستمرار، من بلدان مزقتها حروب مدمرة، أشعلتها الولايات المتحدة، ومن بلدان أخرى يعانون فيها الاضطهاد وسوء المعاملة.

المصدر: الخليج الامارتية