لاجئون من لا شيء؟!
31 أغسطس، 2015
منار الرشواني
بماذا يجب أن يوصف عابروا البحر الأبيض المتوسط، السوريين منهم خصوصاً؛ “مهاجرون غير شرعيين” أم “لاجئون/ طالبو لجوء إنساني”؟ وبالنتيجة، كيف يتوجب التعامل معهم عند وصولهم إلى الأراضي الأوروبية؛ “ضحايا يستحقون المساعدة” أم “مجرمون” منتهكون للقوانين؟ هذان هما السؤالان المطروحان أساساً مع تفاقم أزمة اللجوء السوري، لاسيما مع انتشار صور الضحايا غرقاً واختناقاً، أو اعتقالاً للمحظوظين منهم. في المقابل، لا أحد يطرح، أو يريد أن يطرح، السؤال الأول والأهم، وهو: لماذا وكيف خُلقت أزمة اللجوء هذه أساساً؛ وبالتالي، من المسؤول أولاً وأخيراً عن المأساة؟
ففيما يواصل نظام بشار الأسد سياسة الأرض المحروقة بحق سورية وشعبها، بما يدفع ملايين “الناجين” من طائراته وصواريخه وبراميله المتفجرة، إلى اللجوء؛ يصبح أصل القضية هو لحظة وصول اللاجئين إلى أوروبا ودول الجوار السوري. أي تتحول المأساة إلى مشكلة بين اللاجئ والدولة المضيفة فحسب، يلام بشأنها أحد هذين الطرفين فقط!
وأحد جوانب المأساة يتبدا في مأساة أخرى تتمثل في الاستجابة للأولى. ولا يتعلق هذا بأوروبا تحديداً التي تنشغل اليوم بسبل التعاطي مع الأزمة، بما في ذلك منع وصول اللاجئين إلى أراضيها ابتداء، بغض النظر عن الظروف التي يحياها الفارون من الموت في بلادهم، والذين يضمون إضافة إلى السوريين جنسيات عربية أخرى وأفريقية عديدة. إنما مأساة الاستجابة للجوء السوري تبدو عربية أساساً.
فمنطقي ومحق أن يتساءل المؤمنون فعلاً بـ”الأمة العربية الواحدة”، عن تقاعس الدول العربية الغنية عن مساندة اللاجئين، بما في ذلك استضافتهم. لكن كيف يمكن فهم محاولة أنصار بشار الأسد تحديداً تحويل مأساة لجوء السوريين إلى عصا جديدة يستخدمونها لمهاجمة الدول العربية التي لا تستضيف هؤلاء اللاجئين؟ هل أن من حق الأسد وإيران إبادة السوريين بكل شكل ممكن، فيما يتوجب على من لا يوافقهما في ذلك دفع الثمن؟
وهي “عصا جديدة”، لأن مثل هذا المشهد رأيناه ونراه على امتداد عمر القضية الفلسطينية، فلا تُستحضر مأساة الفلسطيني، في الداخل والشتات، إلا أداة لمواجهة الخصوم، وليتم التغطية على ذلك سريعاً في حال تبدلت التحالفات. هل يتحدث أحد من “المقاومة والممانعة” منذ عزل محمد مرسي عن الحصار على قطاع غزة؟ هل يتحدث أحد منهم عن ظروف الفلسطينيين في لبنان الخاضع لحزب الله، وقبله الأسد، منذ عقود؟
الحقيقة أن أسباب اللجوء؛ السوري وسواه، يجب أن تظل أولوية الأولويات لدى كل العرب، وضمن ذلك بل وفي المقدمة لدى أنصار الاستبداد العربي بزعم “المقاومة والممانعة” وتحرير فلسطين واستعادة حقوق شعبها. فإنكار هذه الأسباب في مكان وحالة ما، ومطالبة دول قريبة وبعيدة بتوطين اللاجئين العرب عموماً، لا يمكن إلا أن يفضيا- بداهة- إلى إنكار أسباب اللجوء الفلسطيني، وإلغاء حق العودة بشديد بساطة. ولتغدو القضية- تماماً كما تريد إسرائيل وتؤكد- مشكلة بين اللاجئ الفلسطيني وبلد اللجوء.
المصدر: الغد الأردنية
“لاجئون من لا شيء؟!”