محنة ووصمة عار
31 أغسطس، 2015
مفتاح شعيب
لا تنفك مأساة المهاجرين الذين تزدحم بهم شواطئ أوروبا وحدودها، تفرض نفسها على الرأي العام وصنّاع القرار، وما زالت الأنباء تحمل قصصاً فظيعة عن سقوط هؤلاء الضحايا فرائس لمهربين جشعين، وما زالت أسباب صناعة هذه الظاهرة على حالها، إن لم تكن قد تضاعفت، وتتمثل في الصراعات والحروب التي تخرب كثيراً من دول العالم العربي.
حتى وقت قريب كان يمكن تفهم أن يمتطي مئات الأشخاص، بينهم نساء وأطفال، قوارب متهالكة لعبور البحر الأبيض المتوسط أو بحر إيجه بهدف الوصول إلى البر الأوروبي، ولكن الطارئ أن صور الموت الجماعي تلاحق هؤلاء المهاجرين على اليابسة أيضاً، بعد وفاة 71 مهاجراً، غالبيتهم من السوريين، اختناقاً في شاحنة مخصصة لنقل الأطعمة المجمدة، وعُثر عليها متروكة على طريق سريع في النمسا.
وبينما لم تستفق الأوساط الأوروبية من الصدمة الهائلة تم ضبط شاحنة ثانية في النمسا، وعلى متنها 26 شخصاً، وهم في شبه موت، ووقوع الحدث مرة أو اثنتين، يعني أنه قابل للتكرار، وربما بمشاعر أكثر قسوة، فهؤلاء المهاجرون أصبحوا مادة تهريب مفضلة لدى شبكات الجرائم، وتدر من الأموال والمزايا الأخرى أكثر مما تدر المخدرات والمواد الثمينة، حيث تؤكد الأمم المتحدة أن موجة المهاجرين التي تضرب أوروبا هذا العام، لم يسبق لها مثيل منذ الحرب العالمية الثانية، وما زاد في تفاقمها الصراعات بين الحكومات الأوروبية التي اختلفت على مشروع للمحاصصة بشأن عشرات الآلاف المجازفين بأرواحهم هرباً من الخراب الشامل والتصفيات والأعمال الإرهابية والفقر والأمراض والمجاعات والتعذيب والقمع.
المسؤولون الأوروبيون يتراشقون في ما بينهم حول سياساتهم تجاه هذه المحنة الإنسانية، فهذا وزير الخارجية الفرنسي يتهم دول أوروبا الشرقية والمجر تحديداً باتباع «سياسة مخزية»، بعدما أنهت بودابست بناء سياج على حدودها مع صربيا لمنع عبور آلاف الضحايا إلى الغرب، غير أن الوزير الفرنسي، الذي لا تتبع بلاده سياسة نموذجية حيال المهاجرين، يتجاهل كغيره من القادة الغربيين الأسباب المولدة لظاهرة المهاجرين من أوطانهم، ولم يتساءل مسؤول واحد، في يوم من الأيام، عمّن أوصل دولاً، كانت عامرة، مثل سوريا والعراق وليبيا إلى هذا الخراب اللامتناهي.
فالسوريون أصبحوا هم النسبة الأكبر من الضحايا، بعد أن سقطت بلادهم وهم معها في أتون حرب أهلية طاحنة ركبت على حاجتهم إلى قيم الحرية والعيش الكريم، وتدحرجت تلك «الثورة» لتصبح أداة مدمرة لتفتيت سوريا وتشظيتها تحت ذرائع عديدة، سيحين وقت اكتشافها، ويتبين حجم الجريمة الحضارية، وما يُجرى في سوريا ينطبق على العراق وليبيا والقائمة مفتوحة، وطالما ظلت هذه الجروح مفتوحة فلن يتوقف النزيف البشري إلى أوروبا، ولن يفضي انتشار خطابات التشدد والطائفية والثقافة الظلامية المقيتة في العالم العربي إلا مزيداً من ظواهر البؤس الاجتماعي ومزيداً من العار الذي يلحق المسؤولين عن هذا الوضع المدمر.
الغرب، الذي يدعي صحوة الضمير، مسؤول بدرجة كبيرة عن محنة هؤلاء اللاجئين، والسوريين منهم بالخصوص، فلولا سياساته التي شجعت على الفوضى ضمن ما سمي «الثورات» لما أمكن مشاهدة عشرات الآلاف من المهاجرين يتراكمون على الحدود الأوروبية، ولما قضى كثيرون منهم غرقاً أو اختناقاً.
وعندما يتم التشخيص الفعلي لهذه الظاهرة وكشف صناع ظروفها، حينها يمكن الحديث عن حلول جذرية، وفي انتظار ذلك، ستتوالى الصدمات وستحمل الأيام صوراً مشينة لضحايا جدد سواء في قوارب الموت أو في شاحنات على اليابسة.
المصدر: الخليج
“محنة ووصمة عار”