من يوميات “الأسد”!

منار أبو رمان

“صحوتُ اليوم على أخبار كئيبة ومقلقة جداً؛ فتنظيم داعش بات على أبواب دمشق، يقاتل أفراده في حي الزين بين حيّي الحجر الأسود ويلدا جنوب دمشق، وبات يسيطر على طريق درعا-دمشق، ما يؤثر على إمدادات الجيش السوري، وبما يعني أنّ أي اختلال في الأوضاع الهشّة سيعني أنّه قد يصل إلى ساحة الأمويين، وتصبح المدينة مكشوفة أمامه.
“الأوضاع في ريف إدلب لا تختلف، فالقريتان المتبقيتان (الفوعا وكفريا) تحت قصف جبهة النصرة، وبات جيش الفتح على مشارف اللاذقية، فيما خرجت المناطق الشمالية والشرقية، بصورة شبة كاملة، عن سيطرتنا!
“ما يؤلمني أكثر أنّني مكبل من كل الجهات؛ فقد خسرتُ أكثر من 80 % من أراضي سورية، ودُمّرت حلب وحمص، وهجّر ملايين السوريين، واليوم يضربون مثلاً غير مسبوق بالكارثة الإنسانية بصورة ذلك الطفل، وأصبحتُ بنظر الرأي العام العالمي أحد أكبر المجرمين في تاريخ البشرية!
“لو شئتُ أن أصارح نفسي (طالما أنّني أكتب هذه المذكرات للتاريخ وأفضفض فيها عما يخالجني)، فإنّني أيضاً محاصر، بل محكوم بالإيرانيين، هم من يتفاوضون مع حركة أحرار الشام في الزبداني، وقد بدأوا بتأسيس حزب الله الخاص بهم في سورية، وهم يغيّرون أصول المذهب النصيري إلى الاثنا عشرية، ويعدّون لإقامة “مستوطنة إيرانية” كبرى ليجلسوا على الطاولة في المفاوضات القادمة، سواء كنتُ موجوداً أم لا!
“حتى أقربائي وطائفتي النصيريون، الذين تخيّلتُ أنني عملت كل ما سبق من أجلهم، ها هم يضيقون ذرعاً بما يحصل لهم، ويشعرون أنّهم يدفعون ثمناً غالياً من دماء أبنائهم لحماية سلطتي، وليس العكس؛ أي إنّني أنا من دفعتُ ثمن خشيتي على ضياع سلطتهم! فطرطوس فقدت أغلب شبابها، والبقية تحاول الهرب والهجرة إلى الخارج، حتى لا تقع بيد الإسلاميين السُنّة!
“يا للتعاسة! حتى دي مستورا (المبعوث الأممي) يتحدث عن خطّة تعطيني صلاحيات بروتوكولية، من دون أن أترشّح في الانتخابات القادمة، وكأنّ صلاحياتي حقيقية الآن. وتتضمن خطته عزل 120 مسؤولاً، وكأنّهم هم المسؤولون فعلاً، وليس الحرس الثوري أو قاسم سليماني!
“ما الذي حدث خلال الأربعة أعوام الماضية؟! ولماذا انزلقت إلى هذا المستنقع؟! لماذا لم أبدأ الإصلاحات التي وعدت بها عندما تسلمت الحكم في العام 2000، وأمضي قدماً من دون أن أكترث لتحذيرات رجال المخابرات، الذين ضللوني؟! لماذا لم أترك “ربيع دمشق” يتفتح؟!
“حسناً، أضعتُ تلك الفرصة، إذ كنت متخوفاً من الأغلبية ونجح “رجال النظام” في ترويعي، وأنا الجديد في الحكم. لكن بعد ذلك، لماذا لم أحسن قراءة التاريخ وسننه؛ فبدلاً من قمع الناس في درعا في 19 آذار (مارس) 2011، أو قتل المصلّين في المسجد في 23 آذار (مارس) في درعا البلد، لماذا لم أستمع إلى صوت العقل والضمير، وأقبل أن أتنازل عن الحكم طواعية وأرتّب شؤون المرحلة الانتقالية، حتى لو فشلوا بعد ذلك أكون قد أبرأت الذمة؟!
“صحيح، لقد خدعتني التقارير الأمنية وضللني رجال النظام السابقين، عندما اجتمعت بعلي مملوك وهشام بختيار وآصف وداوود راجحة ومحمد الشعار، فأقنعوني بأنّ هناك مؤامرة. لكن المؤامرة الحقيقية هي ما جنته أنفسنا علينا، فهم قتلوا في تفجير مبنى الأمن القومي في 2012، لكنني لم أفكّر بعدها بالعودة والتنحي وإيجاد حل سلمي، أخذتني العزّة بالإثم!
“عاجلاً أم آجلاً، أنا انتهيت؛ طريداً في موسكو تحت الإقامة الجبرية أو قتيلاً لأيّ سبب كان. لكن ماذا سيسجل التاريخ عني.. نهاية رجل شجاع، أم نهاية الأسد أم نهاية رجل جبان؟!”.
من يوميات الأسد، 4 أيلول (سبتمبر) 2015، صباح الجمعة.

المصدر: الغد الأردنية