إيران في سورية واليمن

أيمن الصفدي

تختلف أزمات سورية والعراق واليمن، وهي من بين الأخطر أثراً في المنطقة العربية، بتفاصيلها. لكنّها تلتقي في أنّ لإيران دورا رئيسا في تفاقمها.
شجّعت إيران السياسات الإقصائية لنوري المالكي فتسبّبت بفتنةٍ مذهبيةٍ أخذت تُقوّض الهوية الوطنية وتهدّد وحدة العراق. وفّرت للنظام السوري دعماً مادياً وعسكرياً مكّنه من الاستمرار في قتل شعبه وإحالة بلده مرتعاً للفوضى والإرهاب. ودعمت الانقلاب الحوثي الذي فرض على اليمن صراعاً أهلياً وعلى دول الخليج العربي حرباً للدفاع عن أمنها واستقرارها.
ترى إيران في بثّ الفوضى في عالم العرب سبيلاً إلى إنجاح مساعيها التوسعية. لذلك تعمل على إحباط الخطوات الإصلاحية للحكومة العراقية الجديدة، وعلى إدامة آلة قتل النظام السوري، وعلى تعزيز قدرة الحوثيين حرمان اليمن من الأمن والاستقرار.
في هذا السياق يجب النظر إلى الحرب التي يخوضها التحالف العربي ضدّ الحوثيين. فنجاح إيران في فرض سطوتها على اليمن سيُمثّل تهديداً مباشراً لأمن الخليج، وبالتالي قدرةً متزايدةً لها على التلاعب بمصير المنطقة بما يخدم مصالحها على حساب الحقوق العربية.
ضرورةً كانت هذه الحرب إذن. وشهداء دولة الإمارات العربية المتحدة والسعودية والبحرين الذين ارتقوا أوّل من أمس ضحّوا دفاعاً عن أمن بلادهم واستقرارها وحقّها في الحفاظ على إنجازاتها. فكما لم تأبه إيران بحجم الدمار في سورية والعراق، لن تتوقّف عند حد في سعيها بثّ الفوضى في اليمن وكل جواره الخليجي لانتزاع أوراق ضغطٍ جديدةٍ تُساعدها على موضعة نفسها قوّةً مسيطرةً في الإقليم.
بدأت الحرب ضدّ عصابات الحوثي تؤتي ثمارها انتصاراً عمليّاً على الأرض. خسر الحوثيون المكتسبات التي حقّقوها في بداية تمرّدهم، وتراجعت قدراتهم العسكرية رغم استمرار الدعم الإيراني. لذلك يزيدون من حجم الدمار الذي يلحقونه باليمنيين، إذ يبدو أنّ استراتيجيتهم تغيّرت من محاولة التمدّد وفرض سيطرتهم على الأرض إلى شنّ عمليّاتٍ انتقاميةٍ تُلحق المزيد من المعاناة والدمار بالشعب اليمني.
ولن يُبدّل هذا التحوّل من الموقف الإيراني. فثمن سياستها في اليمن يدفعه الشعب اليمني. وهذا ثمنٌ لا يدخل في حساباتها.
هكذا هي الحال في سورية. تعرف إيران أنّ الأسد انتهى. وتُدرك عبثية الحرب التي يشنّها على شعبه. فهو قد فقد السيطرة على معظم الأراضي السورية وبات عاجزاً عن تحقيق أيّ انتصارٍ عسكريٍ استراتيجيٍ. لا تخدم عمليّاته العسكرية الآن إلا نزعاتٍ ثأرية انتقامية لن تُسهم إلاّ في زيادة الرفض لنظامه الغاشم. هذا ما أكدّه قصفه أطفال دوما قبل أسابيع واغتياله الشيخ وحيد البلعوس ورفاقه في السويداء أوّل من أمس.
بيد أنّ إيران ستقاتل حتّى آخر يمنيٍ وسوري. وستُلحق أدواتها الإقليمية المزيد من الدمار بالأبرياء. لكنّها لن تحقّق إلّا المزيد من المعاناة التي ستزيد من قوّة العزم على مقاومة توسّعيّتها والتّصدي لعملائها.
فرغم حجم الفاجعة، أكدّت الإمارات صلابة موقفها المُستهدف دحر الحوثيين وحماية أمنها واستقرارها وعمقها الخليجي من أهداف انقلابهم وتداعياته.
وبعد سنواتٍ من الحياد والمعارضة النُخبويّة السلمية، تفجّر جبل العرب انتفاضةً عنيفةً هاجمت مراكز النظام وعناصره وأسقطت رمز القمع الذي يجسده تمثال حافظ الأسد، لتسير على الطريق التي سلكتها باقي المناطق السورية في التصدي لبطش الأسد وقمعه.
طالت جولات الباطل التي قادتها إيران وأتباعها في بلاد العرب. وستطول الحروب اللازمة لقلبها وستتعاظم كلفتها. لكنّها حروبٌ ضرورةٌ وتضحياتٌ لا بدّ من تقديمها لكسر العتمة التي تسرق حقّ العرب في الأمن والحرية والكرامة.

المصدر: الغد الأردنية