13 مليون «إيلان»


سمير السعداوي

لا شك في أن صورة الطفل الغريق إيلان على شاطئ بوضروم التركية تستحق ان تكون صورة العام، هذا ما لم نشهد فظاعات أشدّ قبل نهايته. صورة تلخص مأساة المهاجرين واللاجئين وهي طغت بهذا المعنى على فيديو الطفلة الفلسطينية اللاجئة ريم التي أبكت المستشارة الالمانية انغيلا مركل ما دفعها الى وقف قرار ترحيلها وأسرتها من ألمانيا.

صمت إيلان أكثر بلاغة من أي كلام، بلاغة فاقت اتقان ريم الألمانية بطلاقة أدهشت الألمان، على نعومة أظافرها هي الآتية من مخيمات اللاجئين في لبنان. وستمضي ريم نحو حياة أفضل، ومعها آلاف الأطفال الذين حالف أسرهم الحظ في الوصول الى ألمانيا حيث هناك حاجة ماسة الى جيل جديد من الشبان والشابات ونقص كبير في الأيدي العاملة… وسيبقى إيلان رمزاً للمأساة الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية.

لكن الحدث على فظاعته، طغى على قضية أكثر خطورة ترافقت معه، تلك التي أبرزها تقرير لمنظمة الامم المتحدة للطفولة (يونيسف)، أشار الى ان 13 مليون طفل محرومون من التعليم في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، نتيجة الحروب. وبمعنى آخر، فإن نحو 40 في المئة من اطفال المنطقة، لا يرتادون المدارس بسبب الصراعات العبثية في اوطانهم.

وبتفصيل أدق، تحصي الـ «يونيسيف» 2.4 مليون طفل في سورية و3 ملايين في العراق ومليونين في ليبيا و3.1 مليون في السودان 2.9 مليون في اليمن، حرموا من التعليم وهم في شكل آخر مرشحون للغرق في الجهل والتخلف، او في مياه المتوسط، اذا تجرأت أسرهم على المغامرة بـ «قوارب الموت» بحثاً عن فرصة للعيش.

تقرير الـ «يونيسيف» وعنوانه «التعليم على خط النار»، لا ينذر فحسب بأن جيلاً كاملاً مهدد بالضياع بسبب دمار المدارس او تحولها ثكنات، بل ايضاً ينبئ بأمر مخيف وهو تحول هؤلاء الاطفال بدورهم الى مقاتلين يجندون في سن صغيرة في الصراعات، وتصبح المأساة كرة الثلج وتغرق المنطقة في دوامة الأمية والجهل الى ما لا نهاية.

لكن التقرير لم يشكل على ما يبدو مفاجأة للباحثين والمتخصصين الذين كانوا يعلمون اساساً، قبل هبوب رياح «الربيع العربي»، بوجود 7 ملايين طفل خارج المدارس في المنطقة حيث لا تهتم دول عدة بتأمين التعليم لهم جميعاً.

وقبل ان يجنح بعض مراقبينا الى إلقاء اللوم كالمعتاد على دول الغرب التي تكاد في ظل «طوفان» المهاجرين اليها، تتحول ضحية لما جنت أيديها من تجاهل، لئلا نقول تواطؤاً، في مآسي المنطقة منذ النكبة وما قبلها، فإن ثمة جهداً محلياً يمكن بذله من باب ان «الأقربين أولى بالمعروف».

بديهي ان الاطفال المحرومين من التعليم لن يستطيعوا كلهم الانتقال الى اوروبا حيث التعليم الزامي ومفروض قانوناً كالطبابة والسكن وغيرهما من وسائل العيش، وبالتالي فإنهم بغالبيتهم باقون حيث هم، وحيث يتعين توفير وسائل العيش بكرامة لهم، بحدها الأدنى.

طبعاً في امكان المجتمع الدولي المساعدة سواء باستقبال مهاجرين ولاجئين او بالمساهمة في صياغة مشاريع سلام في الدول التي تدور في دوامة العنف، لكن وقف السلوكيات المحلية «الهدّامة» كما يصفها البعض، هو المفتاح للافساح في المجال امام تحقيق الأمان، الشرط رئيسي لدوران عجلة الحياة.

بخلاف ذلك، كلهم إيلان او «عيلان» كما تلفظ في مسقط رأسه في عين العرب السورية، او كلهم فريسة سهلة للتطرف والارهاب، في ما توفره الحروب من ارضية خصبة لذلك. ويبقى تدارك الأمر، مسؤولية جماعية للمنطقة.

المصدر: الحياة اللندنية