النمط المخابراتي لأجهزة “داعش” مقارنة بأجهزة النظام الأمنية


22648-2

ياسين الأخرس: ميكروسيريا

مع سيطرة تنظيم “داعش” على أراضٍ في المنطقة الشرقية على وجه العموم وفي مدينة الرقة على وجه الخصوص، لم يكن هناك فاصل زمني بين غياب مخابرات النظام وظهور مخابرات “داعش”، التي اتبعت سيناريو مشابه لمخابرات النظام لكن بطريقة أذكى ومتفوقة على نظام بشار الأسد الذي سلط أجهزته الأمنية على الشعب فقط وإحكام السيطرة عليهم بأسلوب استبدادي ورهيب.

وفي المقابل استعمل تنظيم “داعش” الأسلوب المزيج بين السياسة المخابراتية العالمية التي سخرت أجهزتها للتجسس واستسقاء المعلومات من الدول الأخرى، والدول المجاورة وتسليط الأجهزة الأمنية للمحافظة على أمن البلد من الخارج، وبين أسلوب الرؤوس المقطوعة والتفجير والحرق والغرق والرمي من شاهق، الأمر الذي أحدث تخوفاً رهيباً من هذه السياسة، وهنا يمكن القول أنها استعملت أسلوب النظام السوري نوعاً ما بتشابه أساليب القتل والتعذيب للشعب، لكن بنفس الوقت هي مُخترقة بشكل ضخم جداً وتَخترق بشكل ضخم وهذا الأمر طبيعي بالنسبة لأي جهاز مخابراتي في العالم.

بنية مخابرات “داعش” مقارنةً بأجهزة مخابرات النظام السوري:

مقارنة بأجهزة مخابرات النظام السوري التي تطورت ونمت على مدى أكثر من 40 عاماً، فإن “داعش” ليست وليدة يوم واحد بل إنها تجربة ضخمة جداً ومن الممكن أن تكون على الأرض هي وليدة عام ونصف، ولكن فعلياً هي نتاج عمل ضخم جداً وفكر مستقبلي بنظرة بعيدة منذ أن انطلق التنظيم بشخص يدعى أبو مصعب الزرقاوي في العراق من عام 2003 م.

ويمكن القول أن الخبرات التي كانت موجودة عند “داعش” هي خبرات سابقة من العالم بأسره، ودائماً المهاجرون يأتون بخبراتهم ووسائلهم التي كانوا يعملون بها سابقاً فهي نتاج عالمي ضخم، وبالنهاية ليست موجودة من العدم، كما أنها كانت بوقت من الأوقات هي وليدة “تنظيم القاعدة” ولم تتشكل من العدم كأمثال الفصائل التي ظهرت بعد الثورة السورية.

كما أن تجربة “داعش” قديمة وهي مخابراتية أكثر ما تكون عسكرية، كذلك النظرة العامة “لداعش” شمولية بكل دول العالم، والدليل قدوم المهاجر من أمريكا وأوروبا والخليج والدول العربية، ويشار دائماً الى وجود ضباط مخابرات عراقيين وضباط من حزب البعث، ومن الممكن القول أن “داعش” مدربة على الطريقة المخابراتية العالمية وقد تكون مدربة أكثر من النظام السوري على وسائل أقوى.

جهاز مخابرات على نمط أجهزة النظام

في لقاء خاص لميكروسيريا مع الصحفي “هادي سلامة” والذي نقل عدة أخبار من مدينة الرقة إلى الصحف العربية والعالمية قال: إن لدى “داعش” بنية واضحة للمخابرات، على نمط أجهزة النظام نوعاً ما، ولديها بنية عالية جداً وسرية للغاية كما تربطها صلات مخابراتية على مستوى العالم كما أن لديها صلات على الارض، كما رأينا كتيبة “المخلصين” وهي مهمتها الانخراط مع المدنيين ومهمتهم جمع الأخبار والمعلومات، وحتى أنه لديهم صلات تواصل مع الموالين لهم في المناطق الخارجة عن سيطرة التنظيم، وبالأخص الريف المحرر سواءً كان بحلب أو ادلب أو غيرها).

تتبع “داعش” أسلوب السرية بالتعامل في السجون أو انتشار عناصر في الشوارع ومن المهم ألا يعرف الناس من القائم على السجون بشكل أساسي، ودائماً تتبع أسلوب الغموض، كما تختلف أقسام الأفرع الأمنية لدى النظام عن أفرع “داعش” حيث أنها جميعها تعمل على نفس السياق بالترهيب والممارسات، فالمعتقل الموجود بفرع الأمن السوري يختلف عن الأفرع الأمنية “لداعش” بالنسبة للمؤسسات العسكرية المخابراتية التابعة للنظام، نضيف لذلك أن “داعش” لديها بكل مركز أمني خصلة من خصال أفرع النظام.

وفي سؤال للصحفي “سلامة” عن تواصل “داعش” مع المخابرات العالمية، قال إن تواصلها مع المخابرات العالمية هو في محور الظن وليس اليقين ولكن هذا الظاهر لنا، وكثير من العناصر تم إلقاء القبض عليهم وهم يتبعون لأجهزة ثانية في العالم وتم تطبيق الحد عليهم، وهذا الدليل يؤكد بوجود صلة بين المخابرات العالمية، ومخابرات “داعش” كما أن “داعش” تجربة عالمية وليست إقليمية فقط، خصوصاً بعد إعلان الخلافة ودخول المهاجرين الى مناطق التنظيم.

وأضاف سلامة: “ليس من الضروري قدوم الموالين الى مناطقهم لكن “داعش” لديها سياسة بإبقاء بعض المنتسبين لها على سبيل المثال في بريطانيا أو فرنسا لتكون مهمتهم كـ “خلايا نائمة” لأن هدف التنظيم إبقاء عمل لهم في أوروبا، وشوهد هذا الشيء باستقائنا لمعلومات من داخل مدينة الرقة وإعلانها عن طريق إعلامي تابع للتنظيم موجود في ليبيا وهذا أكبر دليل على وجود تلك الأشخاص في مناطق خارجة عن سيطرة التنظيم”.

المفهوم الفكري لدولة التنظيم واستغلال الإسلام لمشروعهم المدروس، بطريقة مخابراتية 

“دولة الخلافة” بالأساس ليس لها أرض من البداية بل هي مفهوم والعناصر لهم ولاء للمفهوم المدروس سابقاً، مستغلين وجود ثورة وتحرير أراضِ لتطبيق هذا المفهوم، كما أنهم استغلوا الإسلام وهنا يمكن القول أن “داعش” براغماتية وليست ايديولوجية ولم تدخل في سياق الدفاع عن الإسلام بل استغلته لتحقيق مآربها وهذا أكبر عامل استفادت منه، كما لوحظ الكثير من الكتائب التي تقاتل النظام السوري سواءً كان الجيش الحر أو الكتائب الإسلامية تكون مترددة في مقاتلة “داعش”.

ومنذ البداية انسحبت أحرار الشام من الرقة ومن ريف حلب، وليس القياس هنا مع مقاتلة نظام الأسد فقتاله كان مفهوم واضح أما مع قتال “داعش” يكون الجندي من الثوار متردد في مقاتلتهم كونهم اختبئوا وراء الإسلام.

ولعب تنظيم “داعش” على هذه الفكرة ولكن في المقابل لم يكن عناصر التنظيم مترددين في مقاتلة الثوار لأنهم اعتبروا الطرف الآخر خوارج وصحوات “خرجوا عن الدين وقتالهم واجب”، وهذا المفهوم الذي دسته “داعش” في فكر المقاتل لديها، بزعمهم أنه يجب عليهم تطهير الدين بالأول حتى فضلوا قتالهم على قتال نظام الأسد على سبيل المثال، وحقنوهم بالأفكار التي تقول أنه “يجب عليك تطهير دينك بالأول ومن ثم الأطراف الثانية”.

وفي المقابل، الثوار كان لديهم في البداية تخوف من مقاتلة “داعش”، وتصديق البعض لروايتهم على أنهم مسلمين، فاستغلت داعش هذه الأفكار وطابع الدين لتحقق مصالحها على الأرض، كما استغلت الفلتان الأمني وكان من السهل أن تغوص “داعش” في الأراضي المحررة من قوات النظام وتقيم الدولة بنظرها.

الشعب والمخابرات

 تختلف كلمة مخابرات أو أمن بمفعولها من بلد أو إقليم لآخر، فمنها من سخرت أجهزتها لتبسط الأمن والسلام للمواطنين، ومنها من سخرت قواتها لتحكم طوقاً أمنياً على أفكار الناس وحريتهم، وبمجرد ما أن يسمع المواطن السوري بهذه الكلمة يدب الرعب والذعر في قلبه، لأنه عاش النظام المخابراتي السوري الديكتاتوري بكل فصوله وطقوسه.

ولم يختلف الأمر كثيراً عن أجهزة مخابرات “داعش” التي صبت جام غضبها بعام واحد، وقد فاقت النظام السوري بالتفنن في القتل، الى اليوم ينتظر الشعب السوري قوات أمنية تحميه، وتطبق المعنى الحقيقي لكلمة أمن، ولا يمكن بالترهيب والرعب أن تبني جهازاً ناجحاً يحمي حقوق المواطن وبلده.

أخبار سوريا ميكرو سيريا