الدروز ودخول المحرقة ‘من قلب لوزة إلى البلعوس’


الدروز يرفضون أن يتم جرهم إلى حرب طائفية سيخرج الجميع منها خاسرا ما دامت أطواق النجاة لكافة مكونات الشعب السوري لم تجهز بعد

هوازن خداج

لم ينفع الدروز خلال السنوات الأربع الماضية إصرارهم على النأي بالنفس عما يدور في فلك النظام والمعارضة من حروب، فالحوادث المأساوية تدوس محاولات الحياد لكافة الطوائف.

أيقظت مذبحة “قلب لوزة” 11 يونيو 2015 التي تعرض لها الدروز في إحدى قرى جبل السماق بريف إدلب على يد جبهة النصرة المخاوف لدى الطائفة الدرزية التي سقطت بين تقييمات متنوعة تقودها العمائم أو الياقات، وقد سارع الوكلاء السياسيون للطائفة في لبنان، مأخوذين بالانفعال العاطفي والولاءات المباشرة لأطراف متنازعة، للمطالبة بتسليح أهالي السويداء، دون تحديد مسارات واضحة لهذه الطائفة، أو الاستناد إلى رؤية إستراتيجية للساحة السورية. أدت هذه المذبحة إلى بروز تقييمات مختلفة لوضع هذه الطائفة، وبالتالي محاولة زجها في المعترك السوري.

أولا: سارع النظام السوري إلى انتهاز الحادثة المأساوية لترهيبهم من الإسلاميين والقول بأن مصيرهم سيكون مشابها لمصير الإيزيديين في العراق، مطالبا الدروز بالولاء الكامل الذي بات يحتاجه مع تفاقم الأوضاع الميدانية في معظم المناطق السورية، وخوفا من احتمال تغيير ميزان القوى لغير مصلحته، رغم أنه لم يقدم منذ بداية الأزمة السورية أي تصور يدعو للانضمام إليه ومساندته.

ثانيا: حاولت المعارضة استنهاض الدروز لتحديد خياراتهم واتخاذ مواقف قطعية، ومن المعروف أن الدروز، كغيرهم من الأقليات، تم تصنيفهم في بداية الحدث السوري ضمن “الموالاة” وتعرضوا لحملة تخوين واسعة تشنها المجموعات المقاتلة في مناطق الجوار، وذلك لطمس أو لتجاهل الأسباب الخفية التي تعيق الأقليات عامة من المشاركة، أكثرها سطوعا أن المعارضة المسلحة لم تحمل أي صفة علمانية أو مدنية يمكن أن تركن إليها الأقليات.

البلعوس معروف بمعارضته للنظام وللجماعات المتشددة على حد سواء، وبتشديده على التعايش بين جميع الطوائف غرّد عبر توتير

ثالثا: حاول دروز فلسطين جرّ “إسرائيل” إلى التدخل رغم تفضيلها الانتظار، ريثما يضعف المتحاربون بعضهم بعضا، لكنها أبدت استعدادها للتدخل الذي سيعطيها مردودا إستراتيجيا وتحالفات مستقبلية في علاقتها مع الدروز في إسرائيل وسوريا ولبنان، خصوصا بعد المعارك في قرية “حضر”، إحدى قرى جبل الشيخ المتاخمة للجولان المحتل، وتجدد الحديث عن أهمية إقامة فدرالية درزية “دروزستان” التي تمت مناقشتها في (مشروع رالف بترز) عام 2008 الذي يدعو إلى إقامة كيانات طائفية لتحطيم وتفكيك الشرق العربي.

إن حادثة “قلب لوزة” عززت الانقسام الدرزي الداخلي بين الموالاة والمعارضة، ليتم تكثيفه مع التفجير المزدوج الذي طال مدينة السويداء، وكان من ضحاياه الشيخ الدرزي وحيد البلعوس وبعض مرافقيه. وهو المعروف بمعارضته للنظام وللجماعات المتشددة على حد سواء، مشددا على التعايش بين جميع الطوائف وحب الوطن وأنّ “سوريا إمّْنَا، وطن تاني ما إلْنا، وطن بديل ما عنّا، ولسنا موالاة ولا معارضة لكنّنا وطنيون قوميون وإنسانيون”، وكان قد ساهم، بشكل فعّال، في منع الشباب الموحدين من الالتحاق بالجيش السوري الذي فقد هدفه في محاربة الاحتلال.

تفجير أتى عقب حملة “خنقتونا” المتظاهرة ضد الفساد وسوء الواقع المعيشي والأمني، ليضع الدروز مرة أخرى أمام تهدئة الاحتجاجات خوفا من صدام داخلي يغرق المدينة بدماء أهلها، واتباع العقلانية في حسابات التوازن الدقيق القائم على رفض النظام مع عدم إشهار السلاح بوجهه، فقلق البديل مازال يلازمهم، خصوصا مع انتشار التكفير والعنف التطرفي القاتل الذي جعل خوفهم مضاعفا.

رحل البلعوس تاركا مكانه فارغا، وما كان يردده “يا فوق الأرض بكرامي.. يا تحت الأرض بكرامي” سيردده كثيرون غيره، فهذه المحرقة يمكن أن تطال الدروز بطرق متنوعة، لكن الدروز يرفضون أن تخضع مناطقهم لقواعد تصفية الحسابات الدولية، ويرفضون أن يتم جرّهم إلى حرب طائفية مدمّرة، سيخرج الجميع منها خاسرا بشكل مفزع، مادامت أطواق النجاة لكافة مكونات الشعب السوري لم تجهّز بعد.

المصدر: العرب اللندنية