ما بعد التدخل الروسي في سورية؟


منار الرشواني

يصر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، حتى اللحظة، على أن “الجيش السوري” هو الوحيد القادر على مواجهة التنظيمات الإرهابية عموماً في سورية، لاسيما تنظيم “داعش”. وعدا عن الهزائم المتلاحقة لقوات بشار الأسد على الأرض أمام “داعش” خصوصاً، كما فصائل المعارضة المسلحة السورية، فإن الحقيقة الجلية تماماً هي أن إرسال روسيا جنودها لأول مرة -وفق المعروف- للقتال دفاعا عن الأسد، يمثل بحد ذاته دليلاً نهائياً على عدم تصديق المسؤولين الروس لما يدعونه هم أنفسهم في المؤتمرات الصحفية وسواها.
وإذا كان التصعيد في التدخل الروسي في سورية مؤشراً على نهاية الأسد، فيكون السؤال الحقيقي هو عن دوافع هذا التدخل، بشكل شبه معلن؛ عبر إرسال ألف جندي روسي، والشروع في إنشاء قاعدة جوية وأخرى برية في منطقة الساحل السوري.
حتى بافتراض أن الجنود الروس الألف هم طيارون فقط، تم إرسال كل منهم بطائرته، فهل يكفي هذا العدد الهائل لتدمير كل أعداء الأسد على الأرض؟ هنا تبدو نتائج تجربة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة (الأفضل إمكانات من روسيا بكثير جداً) ضد “داعش” -وبعد أكثر من عام على بدء هذا التحالف ضرباته الجوية- جواباً كافياً على آفاق أي تدخل روسي جوي في سورية، لاسيما وأن مشكلة الأسد صارت في نقص القدرات البشرية على الأرض، وليس في نقص السلاح الذي لم تبخل روسيا وإيران في توفيره، بل وحتى تغطية استخدام الأسد للسلاح الكيماوي والبراميل المتفجرة ضد السوريين عموماً. وهذا أيضا مع افتراض التزام كل الأطراف الأخرى الحياد بشأن التدخل الروسي، بعدم توفير سلاح مضاد للطائرات مثلاً.
لكن، وإزاء هذه الحقائق، هل يبدو ممكناً تصور أن الجنود الروس الحاليين ليسوا سوى مقدمة لآلاف الجنود الآخرين الذين سيبدأون بالتوافد على الأرض السورية؟
رغم أن تجربة الصراع في أوكرانيا، وخصوصاً ضم القرم لروسيا، تؤكد على عدم إمكانية التنبؤ بقرارات الرئيس فلاديمير بوتين، إلا أن من البدهي أن سورية لا تقارن في أهميتها لدى روسيا، رسمياً وشعبياً، بأوكرانيا. وأهم من ذلك أن موسكو ليست في وضع اقتصادي يسمح لها أبداً بحرب استنزاف مؤكدة، وبعيداً عن حدودها.
هكذا، قد يكون الأقرب للمنطق، بالمعايير الروسية، أن موسكو قررت تبني خطة طهران القائمة على تقسيم سورية، وتأسيس دويلة الساحل، وما أمكن من مدن الوسط السوري. وفي هذا السياق، قد يكون الحضور العسكري الروسي المتصاعد، أو سيكون مستقبلاً، من باب موازنة الحضور الإيراني الذي سيهيمن صراحة على الدويلة الجديدة. لكن الحقيقة المؤكدة أن تقسيم سورية، ليس معناه إلا إدامة الحرب هناك وليس إنهاءها أبدا. وهو ما يعني إعادة موسكو مرة أخرى إلى خيار حرب الاستنزاف.
يبقى ثمة تفسير آخر للتحرك العسكري الروسي الأخير، يكاد يكون هو التفسير العقلاني الوحيد. وهو أن موسكو تريد فعلاً حلاً سياسياً للحرب في سورية، وهي تخلق مكاسب/ قواعد عسكرية جديدة تعزز وجودها هناك بعد الأسد، وبالتزامن مع ذلك ترفع فقط ثمن التخلي عنه. لكن هنا يكون السؤال الأول: هل يمكن، بعد خبرة السنوات الماضية، افتراض “العقلانية” أساساً في مجرى الصراع في سورية؟ فلو توفرت هكذا “عقلانية”، ولو بأدنى أدنى حدودها، لدى الأسد وحلفائه منذ اندلاع الثورة سلمياً، لما وصل الوضع إلى حيث هو الآن أبداً.

المصدر: الغد الأردنية