الائتلاف السوري المعارض وتعدد المكاييل


بشير عيسى

معظم المحللين السياسيين والقوى المعارضة لنظام الأسد، وفي مقدمهم الائتلاف السوري المعارض، بدأت تتشكل لديهم قناعة نهائية، لم تكن حاضرة بداية الأزمة، وهي أن تنظيم داعش، صنيعة أجهزة إيرانية – سورية!، في وقت ما زالت تغيب فيه هذه القناعة عن توأمه في «القاعدة» ممثلاً بـ «جبهة النصرة»، حيث يحل الصمت والتجاهل المريب، مكان الدفاع والتبني السابق، ربما لكونها مقربة من التنظيم العالمي لـ «الإخوان المسلمين»، أو ظناً منهم بأنها ستعجل في إسقاط النظام. وإلى أن يكتشف الائتلاف أن النصرة لا تقل خطراً عن دولة الخلافة، كونها تكملها، وإن اقتتلت معها، يكون الوقت أدركه!

لا شك في أن هذه القناعة التي أخذت بالتشكل، حول حقيقة ودوافع تنظيم «الدولة»، قد ارتكزت على مجموعة عوامل لعل أبرزها: انشقاق التنظيم عن القاعدة، إثر رفض الجولاني أمير النصرة في الشام، بعد الاحتكام للظواهري، مبايعة البغدادي، ومن ثم إعلان الأخير قيام دولة الخلافة، ما يعني عدم الاعتراف بالدولة السورية ككيان نهائي، أو حتى مرحلي على غرار النصرة، الأمر الذي يهدد مسعى المعارضة في قيام دولة مدنية تعددية. العامل الثاني يكمن في توسع التنظيم في المناطق التي كان يسيطر عليها «الجيش الحر» و«النصرة»، في وقت كان يتحاشى فيه الاصطدام بالجيش النظامي. العامل الثالث تمثل بقدرة التنظيم على توليد إرهاب فاق التصور، بالتزامن مع سرعة انتشار عابرة للدول، ما أعاد معه ترتيب الأولويات بالنسبة الى المجتمع الدولي.

فبعدما كانت إزاحة نظام دمشق أولوية، باتت الحرب على الارهاب تتقدم ما عداها، ما يعني بقاء حظوظ الأسد مرتفعة، لترشيحه كشريك في الحرب على «داعش»، وهذا ما تعكسه مبادرة الرئيس بوتين. وزيادة في حسن الطالع، إقرار مجلس الأمن بأن الحل في سورية يكون سياسياً!

هكذا يمكن تفهم اتهام الائتلاف للنظام بالوقوف وراء «داعش»، باعتبار أن الأخير كظاهرة ودور، ساهم في إضعاف سيطرة المعارضة، في مقابل تثبيت رواية النظام في المنابر والأوساط الدولية، من أن الإرهاب سيطاولهم جميعاً إذا انتصر في سورية، ما لم يتعاونوا معه! وهذا ما يفسر تقاعس النظام وتظاهره بالضعف في شكل مفاجئ، أمام تقدم جيش الفتح بقيادة النصرة في إدلب، فيما يعجز الأخير عن تحقيق أي تقدم في بلدتي الفوعة وكفريا، والحال ذاته ينسحب على اكتساح «داعش» تدمر وريفها، في مقابل فشله المتكرر لاستعادة حقول جزل والشاعر النفطية! وباختصار، فاستراتيجية النظام تقوم على توظيف الميداني لخدمة السياسي ومن ثم العكس!

وإذا صح أن الائتلاف حالة ثورية، فهو مطالب بوقفة ضمير تتطلب أعلى درجات اليقظة والحكمة، و «الرأي قبل شجاعة الشجعان»، ليقول الحقائق كاملة، لا منقوصة، رأفة بمن سيبقى حياً. فإذا سلمنا بأن «داعش» التي تحتل أكثر من نصف مساحة سورية، صنيعة النظام، فهذا يعني أن النظام لم يزل ممسكاً بخيوط اللعبة داخلياً، خلافاً لما يروّج له من أنه في أضعف حالاته، وإذا كان الائتلاف يعتبر أن خطر النظام لا يقل عن خطر «داعش»، الذي يقضم بيئات «الجيش الحر» وفصائله، فهذا يحتم عليه طرح الأسئلة التي تحترم الحد الأدنى من العقل السياسي، كمدخل جديد لاستعادة وتصحيح مبدئية مواقفه.

ولعل أهم الأسئلة ذاك المرتبط بالدور التركي: فمَن مكّن «داعش» وأمده بآلاف الجهاديين؟ أليس نظام أردوغان! أولم يثبت أن وحدات الحماية الشعبية الكردية، هي التنظيم الأقوى في محاربة «داعش»، باعتراف الجميع وعلى رأسهم الولايات المتحدة! ففي معركة كوباني وحدها، سقط للتنظيم قرابة ستة آلاف مقاتل، فيما كان الجيش التركي يسهّل مرور المقاتلين، ويعقد الاجتماعات مع «داعش» ويمدهم بالسلاح، وهذا ما أكده كحقيقة صالح مسلم، رئيس الاتحاد الديموقراطي الكردي في سورية لصحيفة «الحياة»، بينما كان أردوغان يراهن على سقوط المدينة! ثم ماذا عن تسريبات مقاطع الفيديو التي نشرتها صحيفة «حرييت» التركية، حيث كشفت فضائح شحنات السلاح والدواء التي كانت تذهب لـ «داعش»؟ فتمرير السلاح والجهاديين بغية القضاء على المكون الكردي في شمال سورية، بذريعة الخوف من إقامة دولة كردية، يمكن فهمه لدى العثمانيين الجدد، لكن ما لا يُفهم هو الموقف الملتبس للائتلاف المعارض، والذي تلطى وراء عنوان «وحدات الحماية تقوم بعمليات تطهير عرقي»، من دون عناء التحقق من الأمر. وهذا يؤكد ما ذهب إليه صالح مسلم، حول وجود فريق في الائتلاف يؤيد «داعش»!

لو نظرنا إلى الموضوع من زاوية مختلفة، وافترضنا أن الفضائح التي كشفتها الصحيفة، يقف خلفها النظام السوري، لا التركي، فماذا ستكون رد فعل الائتلاف؟ من المؤكد انه لن ينتظر ليتأكد، بل سيسارع لأن يقيم الارض ولا يقعدها، وهذا مفهوم، ولكن بالمعنى الثوري يجب ألا يكيل بمكيالين، كي لا يتحول إلى وظيفة لمصلحة الآخرين.

فالائتلاف يقدم جزءاً من معادلة تفترض أن «داعش» يخدم نظام الأسد، وثمة جزء مكمل، هو أن نظام أردوغان يخدم «داعش»، ما يعني بالضرورة أن سياسات نظام أردوغان تخدم نظام الأسد! فهل سيجرؤ الائتلاف على إكمال المعادلة، فيتحرر من أسره، أم أن «من يأكل من قصعة السلطان سيضرب بسيفه»؟

المصدر: الحياة اللندنية