المعارضة السورية وسمة الحاضر الغائب


مع السعي الدولي لفتح ثغرة في جدار الحرب الوحشية السورية للتقدم نحو التهدئة، لم تمتلك المعارضة أي خطة إنقاذ سواء في مستوى التفاوض أو في مستوى تغيير موازين القوى على الأرض

هوازن خداج

أثرت عقود التهميش والقمع الممارس من قبل النظام السوري على أي فعل سياسي، وبالتالي على تبلور معارضة جماهيرية فاعلة قادرة على إدارة الأزمات الحالية.

قدم الواقع السوري الجديد بالإضافة إلى “النظام وداعش” الطرفين الفاعلين اللذين يمتلكان استراتيجية واضحة ولكل منهما قيادة موحدة، وغرف عمليات عسكرية تقوم بمهام التدمير، طيفا صاخبا من المعارضات على سبيل التعداد؛ الائتلاف الوطني، تجمعات حزبية وشبه حزبية، معارضة داخلية معتدلة توافقية وغير توافقية، مجالس للعلماء، بقايا اتحادات التنسيقيات، كتاب وإعلاميون ووسائل إعلام، وتعدد ثوري “افتراضي”، بالإضافة إلى الناطقين الرسميين المرتبطين بفصائل ميدانية، ورغم الفارق الكبير فيما بينهم، إلا أنهم جميعا يواكبون الحدث في خطوات استباقية يقدمون البيانات والتحليلات، ويراكمون كما هائلا من المواقف والتصريحات بالصوت والصورة، فقد باتت الغزارة الكلامية جزءا لا ينفصل عن المسار السوري، في محاولة لتسييس الشارع وتعبئة الجماهير، لكن حجم الاستفادة السورية وخلق ردفاء خارج إطار إسقاط النظام بقي محدوداً وضعيفا نتيجة عجزهم عن الرؤية الشاملة للمعركة كما يراها النظام أو داعش.

سجلت الهيئات المعارضة السورية حضورها القوي في التأكيد على الاختلاف والتباين في القناعات والمنطلقات التي تحملها، فاختلفت الرؤى في تعليل ما جرى ويجري على الأرض السورية، إذ اصطف البعض إلى جانب السلاح مساهما في تأزيم الواقع المأزوم أصلا، وسلّم البعض تسليما مطلقا للقوى الخارجية، كما اختلفت في تحديد ما يجب صنعه في المستقبل، وتعددت رهاناتها بين من يراهن على دولة خلافة معتدلة “غير داعشية”، ومن يراهن على دولة مدنيّة بمرجعية إسلامية أو علمانية، ومن يراهن على دولة دستورية حديثة تاركا تفاصيل بنائها لحين قيامها. هذا التخبط الكبير في الرؤى والقيادات، وانعدام الرؤية الموضوعية للإمكانيات الذاتية السورية أنتج ضحالة سياسية وفكرية واضحة في امتلاك المعارضة، تحت أي مسمّى، لإرادة شعبية فاعلة تساهم في صناعة القرار ورسم المسارات الصحيحة لما يجري، ومحاولة وضع الخطط الأولية للسيناريوهات الممكنة للخلاص من متاهات الدمار، وبالتالي عدم امتلاك إمكانية السير باتجاه المستقبل.

الفوضى المعممة ستبقى معدومة النهاية في ظل توفر مشاريع متعددة تعمل على استئصال أحلام الشعب بالحرية والديمقراطية، وفي ظل غياب “المعارضة” القادرة على توحيد مطالبها على قاعدة بناء وطن للجميع، واتخاذ خطوات عملية لتقديم مشروع وطني سوري يقوّض أسس الدولة التسلطية، وينحّي المعارضات الأيديولوجية المغلقة. خطوات تكون بداية الطريق لاستعادة الكتلة المجتمعية الفاعلة من شرائح وفئات اجتماعية واسعة منفتحة على فكرة المجال الوطني العام، يتم من خلالها إعادة تشكيل معارضة مجتمعية وازنة قادرة على تغيير المسارات الدموية، فهذه الكتلة التاريخية المعارضة رغم هول النكبة ما تزال هي الأكثر قدرة على الفعل نتيجة اتصالها بالعمل الفكري والسياسة وتنوعها واختلافها وتمثيلها لمختلف الأطياف السورية، ما يجعل طابعها شاملاً يتطابق مع حدود الوطنية السورية، وتستطيع مواجهة فوضى الفصائل والميليشيات والأيديولوجيات العقيمة التي مزّقت النسيج الوطني، وتستطيع انتشال سوريا من موقعها كساحة للصراعات الإقليمية والدولية إلى موقع وطن وشعب يسير باتجاه دولة وطنية منشودة.

لم يعد الواقع السوري كما كان سابقاً، لكن حتى اللحظة، مع السعي الدولي لفتح ثغرة في جدار الحرب الوحشية السورية للتقدم نحو التهدئة، لم تمتلك المعارضة أي خطة إنقاذ سواء في مستوى التفاوض أو في مستوى تغيير موازين القوى على الأرض، ومازالت تسجل غيابها المجتمعي، وتغوص بمطالبها وتغرق في ارتباكاتها متجاهلة واقع المتغيرات التي يعيشها شعب سدّت في وجهه إمكانية إنهاء الصراع العبثي، حتى باتت الهجرة أمله الوحيد بالخلاص.

المصدر: العرب اللندنية