الهجرة من المناطق الكردية: فقدان الأمل وتردي الاقتصاد


يهاجر الآلاف من السوريين كل يوم، ووالد إيلان الكردي ليس إلا واحدًا من الذين هاجروا من المناطق الكردية، فحدثت المأساة، التي هزت صورها العالم، وغرقت زوجته وأولاده على شواطئ تركيا، فإلى أين تمضي بالأكراد السوريين الهجرة وما أسبابها؟.
بهية مارديني: إيلاف

قال عبد العزيز التمو عضو المكتب السياسي في الجمعية الوطنية لـ”إيلاف” إن الهجرة من سوريا” بالتأكيد مأساة كبيرة للبشر الذين تعرّضوا إلى أسوأ كارثة بشرية عبر التاريخ، نتيجة استبداد حاكم تربع على عرش من جماجم السوريين، ولا يتوانى لحظة واحدة بالاستمتاع بألم السوريين والشرب من دمائهم”.

إقصاء شامل

وفي ما يخص هجرة الشباب الكرد من مناطقهم وأرضهم، اعتبر” أن هذا أمر طبيعي، لأن المستبد هو نفسه، حتى وإن تغيّر لونه أو عرقه، فأيديولوجيا الاستبداد وديكتاتورية الحزب الواحد والقائد الملهم هي عينها عند حكام المنطقة الكردية، وإقصاء واضطهاد المختلف فكريًا وحزبيا وحتى قتله وتهجيره بالقوة العسكرية هو أمر مستباح خدمة للقائد والحزب الملهم، وهذا ما طبقه تمامًا حزب الاتحاد الديمقراطي في المنطقة الكردية”.

وتساءل “عن اي اعتصامات يتكلم البعض لوقف الهجرة او الهروب من الظلم والاضطهاد، وهذا كله لا يقدم ولا يؤخر، ولا يجد آذانًا صاغية من سلطة الامر الواقع، فهي قد أغمضت عينها، وسدت آذانها عن سماع هذه الاقاويل، فكل ما يهمها هو تثبيت سلطتها وتحقيق مصالح الحزب القائد وقيادته القابعة في قنديل، وهي ليست بحاجة الى شعب ميت تحكمه او تدافع عنه، انها هي الشعب والحزبية والسياسة وكل شيء”.

ثقة مفقودة

اما في ما يخص السياسيين الكرد وأحزابهم، الذين يدعون الى اعتصامات ومطالبات بعدم الهجرة والتهجير، فرأى أنها “ليست الا ارهاصات سياسية براغماتية للحفاظ على ماء الوجه امام من تبقى من أنصارهم ومؤيديهم، وبالتالي خروج عشرة أشخاص ووقوفهم امام دكاكينهم الحزبية في القامشلي لا معنى له البتة، لان جميع الشركات المفلسة لا تستحق سوى شفقة المحبين والاصدقاء وشماتة المنافسين، وهذه هي حال الأحزاب السياسية الكردية التي تدعو الى وقف الهجرة والتهجير، فلا المواطن المهاجر يثق فيهم، ولا حزب الاتحاد الديمقراطي يحترم آراءهم، بل بالعكس، فقد اذلهم، وهجر قيادتهم الى خارج الحدود بالملابس الداخلية، ولم تستطع هذه الأحزاب الدفاع عن قياديها”، بحسب التمو. 

وأشار القيادي في الجمعية الوطنية الى “ان الوضع في المنطقة الكردية لا يختلف عن الوضع في عموم الاراضي السورية كلها، فلا الائتلاف قادر على مواجهة ارهاب النظام وداعش ووقف نزيف هجرة السوريين، ولا يستطيع تقديم المساعدة الى المجرمين واللاجئين، وأن كلام السياسة والبيانات لا يغني عن جوع أو يحمي من البراميل المتفجرة وقطع الرقاب، وكذلك المجلس الوطني الكردي، الذي هو جزء من الائتلاف، لا يملك سوى ان يبيع الشعب الكردي البيانات، ونشرها على صفحات فايسبوك، والتي لم يعد يقرأها احد إطلاقاً، فهذه لا تمنع تجنيد القاصرات، ولا مصادرة الاملاك، ولا وقف الخطف والاعتقال”. 

إفراغ نخبوي

وأكد “لم تعد الاعتصامات والمظاهرات السلمية تنفع امام من يقف وراء المدفع الرشاش وامتهن القتل، وأصبحت رائحة الدماء جزءًا من حياته اليومية، ولن تتوقف أزمة المهجرين إلا بزوال اسبابها، وهي سقوط النظام، ومحاسبة مرتكبي الجرائم بحق السوريين جميعًا، مهما كانت قوميتهم أو دياناتهم، والقضاء على الاٍرهاب والتطرف الديني والقومي”.

فاروق الحجّي مصطفى رئيس مركز برجاف للحريّات والاعلام قال لـ”إيلاف”: “ما ان تخطت الثورة سنتها الأولى في سوريا حتى وقعت فكرة الهجرة في أذهان الكثير من النشطاء، ولعل المنظمات الدوليّة كانت سباقة في تأمين بعض الفرص، بحجج القمع (هروب من النظام)، وبحجة جوازات السفر، بيد أن فكرة الهجرة امتدت إلى ان أصبحت ظاهرة، واتسعت كوباء الهجرة، والحق أخذت هذه التسمية، بعدما ظهرت النية لدى مختلف الشرائح المجتمعيّة والسياسيّة بالهجرة، مما أدى في النهاية إلى إفراغ سوريا من عقولها ومن نخبها الثقافية والسياسيّة ومن نشطائها”.

واعتبر أنه “من الطبيعي أن الهجرة ليست فكرة اليوم، وفي كل بلدان الشرق الأوسط كانت ثمة أشكال هو تهجير العقول، حتى انّ العديد من المؤتمرات عقدت بهذا الخصوص، وطرحت البدائل او وصفات لإعادة العقول إلى بلدانها، الا انّه مع امتداد عمر الأزمة تفاقمت أزمة الهجرة، وخصوصاً في أوساط الشباب، وما أدراك ما هي أوساط الشباب وما تتركه من نتائج سلبية على الوطن ككل وعلى الوضع الاجتماعي”. والآن وجدنا أنفسنا – كما أكد – أننا “أصبحنا أمام معضلة الهجرة، بمعنى التفكير الآن ينصب ليس لإعادة العقول فقط، بل لإيجاد حلول للحد من مخاطر هذه الظاهرة”.

عائق التجنيد

عموماً، هناك أسباب عدة تقف وراء هجرة شباب الكُرد من المناطق الكُرديّة إلى أوروبا، أهمها، بحسب ما أكده مصطفى: “فقدان الأمل لدى الشباب، الذين هم بمتوسطات عمر بين 18-40، بتحسن وضع سوريا وأزمتها الأمنية والسياسيّة واستعادة الحياة العامة، بعدما تدمرت مقوماتها، وفقدان الأمل بتحسين الوضع السياسي في سوريا وفي المناطق الكُرديّة، خاصة بعدما سيطرت قوات “ب ي د” على الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية وحتى الاجتماعية، وفرض قوانين وتعاميم بما يناسب أيديولوجية “ب ي د” التي هي جزء لا يتجزأ من أيديولوجية العمال الكُردستاني”.

وأشار الى أن من أسباب الهجرة أيضا “مسألة التجنيد الإجباري او دفع البدل المادي الذي فرضته سلطة “ب ي د” وممارسة القمع للتيارات المخالفة مع فكر ونهج الاوجلانيين وغياب مشروع كُردي ناضج يحقق الآمال كرديًا وسوريًا، ويؤسس لعلاقة بين المكونات المجتمعية والسوريّة، واستبعاد الاحتراب الداخلي وعجز المجلس الوطني الكردي وأحزاب أخرى عن الوقوف أمام مسؤولياتها التاريخية في البحث عن فرص العيش وفتح نوافذ للحوار مع المجتمع والوقوف إلى جانبه في هذه المحنة وعدم وجود الاتفاق والتنسيق بين الأحزاب الكردية خارج إطار “ب ي د” وغياب الحرية في الحركة وفي التعبير عن الرأي”.

فضلاً عن انّ هناك أسبابا متعلقة بالحياة مثل “الرغبة في وضع معيشي أفضل والرغبة في متابعة التعليم إن أمكن وتحقيق حلم أوروبي كان يساور الجميع بعدما تم تقديم الصورة الحسنة لها والكبت الجنسي او الاجتماعي نتيجة العادات والتقاليد المجتمعية التي ما زال لها دور في بناء الثقافة الاجتماعية وبناء الأخلاق وفي الكثير من الأحيان يرى جيل الشباب بأنها ثقيلة هذه العادات، وهم في حالة ليس بوسعهم التكيف معها او استمرار الرضوخ لها”، وفق ما لفت اليه مصطفى.

وقال “بالمحصلة ان هناك جملة من العوامل، والاهم الأزمة السورية غير واضحة النهاية، وحتى إن تبين وضع سوريا، اصبحنا امام معضلة الهجرة، مما يعني صرنا أمام استحقاق، هو كيفية إعادة هؤلاء مرة أخرى إلى بلدهم، ليتاح لهم العمل والمشاركة في بناء وطنهم من جديد وعلى وجه أفضل؟”.

الهجرة من كوباني

واتفق مصطفى عبدي الناشط الكردي مع الرأي السابق لعبد العزيز التمو في أن الهجرة من المناطق الكردية، ليست حالة خاصة، وهي جزء من هجرة السوريين، الذين يهربون من البراميل والقصف، والمفخخات والحرب والدمار، بعد يأسهم من المجتمع الدولي الذي فشل في ايقاف القتل والحرب في مدنهم.

وقال لـ”إيلاف” إن “تزايد الهجرة في المناطق الكردية، وخاصة من كوباني، مرتبط بالدمار الذي حل بالمدينة بعد خمسة اشهر من الحرب، التي حولت 80% منها الى انقاض، وتزايدت بعد المجزرة، التي ارتكبها تنظيم داعش في 25 حزيران، فالناس فقدت الثقة بتوفير الامان، وبالتالي قررت الهجرة بحثًا عن الامان، ولايجاد مستقبل افضل لاطفالهم كي لا يعيشوا ما عاشوه من قتل ودمار، ومجازر..”.

هنالك سبب آخر للهجرة في المناطق الكردية، وهو كما قال عبدي، “غياب الاتفاق السياسي بين الاحزاب الكردية، حيث تلعب خلافاتهم دورًا سلبًا في توفير مناخ ملائم للعيش والحياة، اضافة الى قوانين الادارة الذاتية، ومنها التجنيد الاجباري، والاعتقالات بحق النشطاء والمعارضين، والمضايقات المتعددة، ومحاولات ضبط المجتمع، والتجارة، وكل مناحي الحياة وفق رؤية حزبية، وممارسات سلبية، تساهم وتدفع الناس الى اتخاذ قرار الهجرة”.

وقال إن “المطلوب الان هو تحقيق الاتفاق السياسي في المنطقة الكردية، ومشاركة الجميع في الادارة، اضافة الى العمل على توفير الامن، ومحاسبة الفساد الاداري والمالي، والعمل على تهيئة ظروف افضل للحياة، بتوفير الخدمات الاساسية، ومساعدة الناس الذين دمرتهم الحرب، للاستقرار”.

الحالة الاقتصادية سيئة

وانتهى حسن اسماعيل  الناشط والكاتب الكردي الى القول لـ”ايلاف” إن “المناطق الكردية في سوريا تواجه نزيفا حادا إلى اوروبا وبشتى الوسائل، وبالتأكيد الحرب الدائرة في سوريا هي السبب الرئيس في هذه الهجرة الغزيرة نتيجة الحالة الأمنية المتردية وانتشار آلة القتل”.

الحالة الاقتصادية السيئة والارتفاع الكبير في الانفاق الاستهلاكي بصورة لم يعد بإمكان المواطن التماشي معها أيضا من ضمن أسباب الهجرة اضافة الى اضطراب المؤسسات التعليمية، وخاصة الجامعية، وصعوبة الانتقال من المناطق الكردية باتجاه المناطق الأخرى، حيث مؤسسات الدراسة الجامعية، بشكل أدى الى انهيار جيل كامل، بحسب اسماعيل.
 
في ما يخص الحالة الكردية يقول “لا يمكن إنكار الدور الفاعل لقوانين وسياسات الإدارة الذاتية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي في تحفيز الهجرة والضغط باتجاهها، ولاسيما قانون التجنيد الاجباري، والتضييق على المجتمع والنشطاء”.

ويشدد على أن “الحل ليس بسهل، ولا أحد يمتلك عصا سحرية للوقوف في وجه النزيف البشري إلى الغرب، لكن قد يكون للتوافق الكردي واعادة بناء البيت الداخلي بصورة تضمن العمل المشترك دور، وهو ما قد يخفف الهجرة”.

أخبار سوريا ميكرو سيريا