تركة “أولاند” الخارجية


باسكال بونيفاس

كل عام تقوم فرنسا في أواخر شهر أغسطس بجمع سفرائها على مدى أسبوع من أجل مؤتمر يتدارس السياسة الخارجية للبلاد، وهي مناسبة للمراقب الخارجي لتقييم حصيلة العمل الدبلوماسي لفرانسوا أولاند منذ 2012.

وإذا كانت النتائج الإيجابية في ما يتعلق بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية لا تزال غير واضحة، فإن العمل الخارجي للرئيس الفرنسي يبدو مقنعاً بالنسبة للفرنسيين، إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أنهم إذا كانوا غير راضين بخصوص النقطة الأولى، فإنهم راضون عن أداء الحكومة بخصوص النقطة الثانية. ذلك أن الفرنسيين معجبون بموقف رئيسهم من هجمات السابع والثامن والتاسع من يناير 2015. وفي هذا الصدد، يُعتبر وزير الخارجية لوران فابيوس ووزير الدفاع جوف إيف لودريان الأكثر شعبية بين الوزراء كافة. غير أن ذلك لا يمثل عزاء حقيقياً لفرانسوا أولاند نظراً لأن القضايا الاقتصادية والاجتماعية هي التي ستحسم مصير محاولة إعادة انتخابه في 2017.

على الصعيد الدولي، نجح فرانسوا أولاند، أولاً وقبل كل شيء، في إزالة التوتر الذي كان يطبع علاقات فرنسا مع عدد من البلدان خلال الولاية الرئاسية السابقة. فحماسة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي وخطاباته كانتا تتسببان أحياناً في توترات، ولكن العلاقات مع شركاء فرنسا الأوروبيين تحسنت الآن، وحالات سوء التفاهم التي كانت موجودة بين فرنسا وبلدان مثل اليابان والصين والهند وتركيا والبرازيل والمكسيك وبلدان الخليج، إلخ، تبددت.

ولا شك أن التدخل العسكري في مالي سيمثّل أحد أبرز أعمال أولاند في فترته الرئاسية. صحيح أن الوضع مازال هشاً، ولكن ينبغي أن نتساءل بشأن ما كان سيحدث في حال لم تقم فرنسا بأي تحرك. بكل بساطة، كان الجهاديون سيسيطرون على العاصمة باماكو، وكان شيء ما يشبه «دولة» تنظيم داعش سيظهر في أفريقيا. غير أن ما ينبغي أن نتذكره دائماً ونحفظه في أذهاننا ليس هذا السيناريو الأسوأ، الذي تم تجنبه، وإنما طريقة التدخل: سرعة الاستجابة واتخاذ القرار – في وقت يتهم فيه البعض أولاند بالتلكؤ والتباطؤ -، والتدخل تلبيةً لطلب السلطات الوطنية مع دعم السكان، والبحث عن حل دولي (في الأمم المتحدة) وإقليمي، والأهم من ذلك ربما، التفكير في ما بعد التدخل العسكري – وهو ما لم يتم القيام به في ليبيا. ذلك أن التدخل ينبغي دائماً أن يتم ضمن جهود البحث عن حل سياسي. كما أنه بوسع المرء أن يذهب إلى أن إبادة جماعية ربما تم تجنبها في جمهورية أفريقيا الوسطى بفضل التحرك الفرنسي، وإنْ كان الوضع هناك لا يزال هشاً أيضاً.

تحرك فرنسا بخصوص الأزمة الأوكرانية كان أيضاً إيجابياً، حيث تم اتخاذ عقوبات ضد روسيا – حفاظاً على إجماع أوروبي- إلا أنه لم تكن ثمة متابعة من جانب الأميركيين. ومع ذلك، تم الحفاظ على شعرة معاوية مع موسكو. فعلى الرغم من الانتقادات، حافظ فرانسوا أولاند على دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الاحتفالات التي أقيمت في ذكرى إنزال الحلفاء في نورماندي. كما زار موسكو من أجل الالتقاء ببوتين في يناير 2015. وكل هذا ساعد، خلال الشهر الموالي، على ولادة اتفاقات مينسك 2، بفضل جهود الثنائي الفرنسي- الألماني. صحيح أن الوضع هناك أيضاً ما زال هشاً للغاية، ولكن الحل الدبلوماسي هو الذي ساد في الأخير، بدلاً من الحل الذي كان سيقوم بصب الزيت على النار من خلال تزويد أوكرانيا بالأسلحة.

أما الاتفاق الذي تم التوصل إليه بخصوص برنامج إيران النووي، فيُحسب لوزير الشؤون الخارجية والتنمية الدولية الذي اتهمه البعض بتبني أفكار ومواقف المحافظين الجدد. فالموقف الفرنسي الذي شدّد الشروط لم يحل دون التوصل لاتفاق وإنما جوّده ومتّنه، وصعّب مهمة الذين كانوا يريدون رؤية حل عسكري مكانه.

وفي خطابه أمام السفراء الفرنسيين، لم يكشف فرانسوا أولاند عن رؤية عامة للعالم. فهو، قبل كل شيء، سياسي براجماتي ولا يرغب أن يكون حبيس إطار مفاهيمي معين – خلافاً للوران فابيوس الذي يروقه ذلك – بل يفضل تناول القضايا الدبلوماسية، الواحدة تلو الأخرى. ولعله يعتقد أن ذلك لا يمنعه من أن يكون ناجحاً وفعالاً. وهذا ليس مجانباً للحقيقة، على كل حال. غير أن المرء يمكن أن يتأسف لكون ذلك يؤدي إلى دعم وتفهم أقل لسياساتنا خارج حدودنا. فصورة فرنسا في الخارج هي أيضاً تلك القدرة على التفكير بطريقة عامة وشمولية.

المصدر: الاتحاد الإماراتية