سوريا : الاغتصاب كسلاح دمار الشامل

إنها الجريمة الأكثرُ قتلاً التي يتم ارتكابُها في سوريا حالياً؛ إنها جريمةٌ واسعةُ النطاق، ويقوم النظام بتنظيمها وتنفيذها ضمن أشد الظروف وحشيةً. إنها جريمة ٌمبنيةٌ على إحدى المحرمات الأكثر تغلغلاً داخل المجتمع السوري التقليدي وعلى صمت النساء الضحايا المقتنعات، بأنهن يجازفْن بخطر رفض عائلاتهن لهن أو حتى إدانتهن بالموت. إنها الجريمة التي تسحق النساء وتُدمر العائلات وتُفكك المجتمعات. إنها الجريمة التي تصفها حشودُ اللاجئين الهاربين من سوريا إلى الدول المجاورة بأنها السببُ الأساسي لرحيلهم، ولكنْ محققو الأمم المتحدة وجميع المنظمات غير الحكومية يجدون صعوبةً بالغةً في تجميع الوثائق حولها لأنها موضوعٌ مؤلمٌ جداً. إنها جريمةٌ غائبةٌ عن مفاوضات جنيف؛ على الرغم من أنها تُعذب السوريين وتُسيطر على هاجس عشرات آلاف الناجين منها. أم محمد”,45 عاماً تم اختيارها عشوائياً “ سلمى “ لاجئة مقيمة في الزعتري “ ليلان ”طالبة مقيمة في عمان” "أم زاهر" منفية في عمان منذ 30 عاماً تُساعد ضحايا الاغتصاب كانت “ألمى “27 عاماً _ تم تغيير أسماء  الضحايا _ ممددةً على سريرها في مشفى بقلب عمان، لم تعدْ قادرةً على المشي  تحطم عمودها الفقري بسبب الضربات التي تلقتْها من ميليشيات النظام بأخمص بندقية،  ألمى أمٌ لأربعة أطفالٍ تحمل شهادةً جامعيةً في الإدارة ومنذ الأشهر الأولى للثورة انضمتْ ألمى إلى جانب الثوار كانتْ تُوصل لهم في البداية الطعام والأدوية ومن ثم ساعدتْهم في نقل الذخيرة  بربطها على بطنها لكي تبدو  أنها امرأةٌ حامل . بدكن حرية ؟ هي هي الحرية ! تم توقيفُها عند حاجز تفتيش ٍفي ريف دمشق وبقيتْ لمدة ثمانيةٍ وثلاثين يوماً في فرع المخابرات الجوية مع المئات من النساء . قالتْ ألمى مع ابتسامة حزينة : “أبو غريب جنة أمام فرع المخابرات وما تعرضت له” تعرضت لكل شيءٍ لجميع أنواع التعذيب في فرع المخابرات الضرب والجلد بالأسلاك الفولاذية، إطفاء أعقاب السجائر على الرقبة، التجريح بشفرات الحلاقة و وضع الكهرباء في المهبل تعرضت للاغتصاب يومياً من قبل عدة رجال وأنا معصوبة العينين،  ينفذون أوامر قائدهم وهم يصرخون ( تريدون الحرية هذه هي الحرية !) قبل إصابة ألمى بجروح ٍخطيرةٍ ونقلها للأردن للمعالجة تقول ألمى : إن جميع النساء بالإضافة لمعاناتهن يفكرْن دائماً بعائلاتهن، قد يتعرضون للقتل لو عرفوا ماحل بهن، كان قرارها بأن تنضم إلى الجيش الحر حيث كانت كتيبتها تضم 20 مقاتلاً، وأصبحتْ واحدةً من النساء القلائل اللواتي كن قائدات ٍلكتائب في الجيش الحر . تدفق مئات الآلاف من السوريين إلى الأردن، وذلك سمح لنا بفضل الأطباء والمحامين  وأطباء نفسيين بحمع العديد من الشهادات وجهاً لوجه ومقابلة الضحايا   مقابلات مع الآباء والأمهات والأزواج يقول برهان عليون وهو الرئيس السابق للمجلس الوطني السوري : لقد حان الوقت للتنديد بهذه الفضيحة بشكل علني،  لأن هذا السلاح باعتقادي  يؤثر على ثورتنا السلمية المرجوة ويجرها للحرب ويضيف أنه منذ ربيع 2011 نُظمت حملاتُ اغتصابٍ على أيدي المليشيات داخل المنازل التي وجدوا فيها عائلات تم اغتصاب الفتيات أمام آبائهن،  والنساء أمام أزواجهن وذلك أدى لإصابة الرجال بالجنون وهم يصرخون سوف نأخذ بالثأر لشرفنا . كنت أعتقد أنه يجبُ بذل كل الجهود من أجل عدم الدخول في مرحلة العسكرة، وأن تسليح الثورة سيُضاعف عدد القتلى مئات المرات؛ ولكن ممارسة جريمة الاغتصاب كانت خلاف ذلك واعتقد أن بشار الأسد  أراد ذلك أيضاً، لأنه عندما يتسلح الثوار سيكون من السهل تبرير المجازر بقتال "الإرهابيين " ولكن العنف الجنسي ازداد باستمرار وساهم بنشر الرعب بين الناس .  يتم استخدام النساء كأداة ٍللوصول لآبائهن  وإخوتهن وأزواجهن . وتدين الكاتبة سمر يزبك وهي لاجئة في فرنسا استخدام أجسام النساء كساحةٍ للحرب والمعركة وصمت المجتمع الدولي إزاء هذه المأساة والذي يبدو لي أنه يُغلق آذانه عن ذلك . أفادت العديد من المنظمات الدولية المهتمة بجرائم الاغتصاب التي ارتكبها النظام،  ومنها منظمة العفو الدولية ولجنة الإنقاذ والاتحاد الدولي لحقوق الإنسان وهيومن رايتس ووتش،  وأجمعت كل المنظمات على صعوبةٍ بالغةٍ في الحصول على أدلةٍ مباشرةٍ، أمام إصرار الضحايا على الصمت والخوف من جرائم الشرف التي تُرتكبُ بحق النساء المغتصبات  خاصةً بعد انتشار القلق الناجم عن التصور السائد بأن اعتقال النظام لامرأة يعني حكماً أنها تعرضتْ للاغتصاب، وفي تقرير ٍنشرتْه الشبكةُ الأورومتوسطية لحقوق الإنسان  في 2013  يُؤكد مدى انتشار الظاهرة ويُعلن الحاجة الملحة للتحقيق في جرائم الحرب هذه، وإذا تم إثبات تخطيطها يُمكننا وصفُها بجرائم ضد الإنسانية . وتؤكد سيما نصار  وهي واحدة من المشاركين بكتابة التقرير عبر السكايب : إن النظام يستهدف النساء بالمقام الأول  وتضيف :إن النظام يستهدف النساء خاصةً الحوامل من قبل القناصة . وقد استخدم النظام النساء كدروع بشرية كما حصل في حي عشيرة في حمص في شباط 2012 عندما قام الجيش بإجبار بعض النساء على السير أمام قواته وأمام الدبابات . لقد كانت النساء عرضةً للخطف من أجل الفدية وتبادل الرهائن. إن اغتصابهن بشكلٍ ممنهجٍ سواء كان عمرها تسع سنوات أو ستين سنة، هو وسيلة لتدمير كامل النسيج الاجتماعي لفترة طويلة. اغتصاب جماعي أمام الكاميرا نعم،  سيما نصار لديها الكثيرُ لتحكيه  هناك عشراتُ الحالات المحددة والمؤرخة، مثل تلك الفتاة من حماة التي أصبحت الآن لاجئةً في الولايات المتحدة، عندما كانتْ في منزلها مع أشقائها الثلاثة، ودخل عليهم الجنود فجأة، وطلبوا من الأشقاء الثلاثة اغتصاب أختهم. رفض الأول فقطعوا رأسه. رفض الثاني فقطعوا رأسه أيضاً. وافق الثالث، وقتلوه بجانب الفتاة التي اغتصبوها بأنفسهم. وهناك حكاية تلك الفتاة السورية التي اُقتيدتْ إلى أحد المنازل في ضواحي حمص في صيف عام 2012 مع حوالي 12 امرأة أخرى، وتعرضْن للتعذيب والاغتصاب الجماعي أمام الكاميرا، وتم إرسال الفيلم إلى عمها، وهو أحدُ الشيوخ المعروفين، وخطيب ديني على التلفزيون وأحد أعضاء المعارضة.   عصا كهربائية في المهبل والشرج أكد رئيس الرابطة السورية لحقوق الإنسان عبد الكريم ريحاوي الذي يُقيم حالياً في القاهرة  “تتكرر هذه الظاهرة بشكلٍ كبيرٍ أثناء الغارات على القرى، وهي مُمنهجةٌ في مراكز الاعتقال التابعة للأجهزة الأمنية، مع عمليات تعذيبٍ ساديةٍ مثل إدخال فأر في العضو التناسلي لفتاة ٍشابةٍ من درعا عمرها 15 عاماً، ومع الاغتصاب الجماعي والعلني كما حصل في يلدا مع أربعين امرأة ًفي صباح 5 كانون الثاني 2014  وما نجم عنها من  مئات جرائم الشرف ضد النساء عند خروجهن من السجن في مناطق حماة وإدلب وحلب”، واعتبر أن هناك أكثر من خمسين ألف امرأة تعرضْن للاغتصاب في سجون بشار الأسد منذ بداية الثورة. لا شك أن المناطق السنية هي الأكثر تعرضاً لهذه الظاهرة، وتُشير الروايات إلى تورطٍ كبيرٍ لقوات حزب الله اللبناني وكتيبة “أبو الفضل العباس “العراقية. قابلنا “سلمى “في مخيم الزعتري للاجئين السوريين والذي يبعد ثمانين كيلومتراً عن العاصمة الأردنية، كانتْ منهكةً ونظرتها باهتة. وُلدتْ سلمى في درعا قبل حوالي خمسين عاماً، وسكنتْ في دمشق مع زوجها وأطفالها الثمانية. أُصيبتْ سلمى بالذهول عام 2011 عندما علمتْ بطرد أطفالها من مدرستهم في دمشق كردٍ انتقامي على التمرد في مدينتها  في درعا. ذهبتْ سلمى تشتكي إلى مديرة المدرسة قائلةً : “لماذا تعاقبون أطفالي؟ لا علاقة لهم بما يحدث !”. لم تنته من كلامها عندما دخل عناصر المخابرات  فجأةً،غطوا رأسها ، واقتادوها إلى قبو أحد أفرع المخابرات في زنزانةٍ مظلمة ٍومليئةٍ بالفئران. بقيتْ يومين في زنزانة ٍانفرادية ٍبدون شرابٍ أو طعام، ثم وضعوها في زنزانةٍ أخرى صغيرة جداً مع امرأتين إضافيتين. قالت سلمى : “لم يكنْ باستطاعتنا الاستلقاء، ولا يحق لنا الاغتسال حتى أثناء الدورة الشهرية. كنا نتعرض للاغتصاب يومياً مع صرخات “ نحن العلويين سنسحقكم”. إذا صدر أي احتجاج، يضعون العصا الكهربائية في العضو التناسي أو الشرجي. ضربوني كثيراً لدرجة أنهم كسروا ساقي، وازرق جسدي ، ثم عالجوني بشكل عشوائي قبل أن يضعوني في الزنزانة مرة أخرى. لم تعرفْ عائلتي أي معلومةٍ عني خلال ستة أشهر. باعتبار أنني لا أعرف القراءة والكتابة، قمت بالتوقيع ببصمة إبهامي على جميع الاعترافات التي كتبوها ”. عندما خرجت من السجن، اختفى زوجي مع السيارة. إصابات مستعصية تعرضتْ أم محمد  45 عاماً للاعتقال مع ابنتها في تاريخ 21 أيلول 2012 مصادفةً في احد الشوارع، واُقتيدتْ إلى المطار العسكري في المزة. كان علم الثورة يظهر على الهاتف الجوال للطالبة بالإضافة إلى صورة أحد “الشهداء” تم اعتقالهما عشرين يوماً، وتعرضتا للضرب والاغتصاب والحبس مع 17 امرأةً وبعض الأطفال في زنزانة طولها أربعة أمتار وعرضها أربعة أمتار. كانت إحدى هؤلاء النسوة زوجة أحد عناصر الجيش السوري الحر، وهي حامل منه، وكانت الشكوك تحوم حول مشاركتها بخطف 48 إيرانياً في حافلة خلال شهر آب 2012، وكان يرافقها أطفالها تبلغ  أعمارهم ثماني وتسع سنوات. كان زوج إحدى هؤلاء النسوة مديراً للسجن، وعُوقب بسبب معارضته لأعمال التعذيب المفرطة بقسوتها، كان زوجها مسجوناً في الطابق الأعلى بشكلٍ يسمح له بسماع صرخات زوجته أثناء اغتصابها. قالتْ أم محمد والدموع في عينيها : “كل الظروف مواتية لممارسة العنف الجنسي”، وكانت مهمومة جداً تُفكر في  ابنتها التي فقدت عشرين كيلوغراماً وتحتاج إلى معالجةٍ نفسيةٍ، وأصبح مستقبلها معرضاً للخطر يتحدث الأطباء عن أعضاءٍ تناسليةٍ “تالفةٍ” وأجسادٍ مُعذبةٍ وصدماتٍ “لا يُمكن شفاؤها”. جاء الطبيب النفسي (يزن ـ 28 عاماً) للإقامة في عمّان من أجل “مساعدة ضحايا الحرب”، وحدثنا عن أحد مرضاه من مدينة حمص. عندما علم جيرانه بنشاطاته الثورية، مما أدى إلى خطف زوجته وابنه الذي يبلغ عمره ثلاث سنوات. تم اعتقاله بعد عدة أسابيع، واقتيد إلى أحد المنازل الخاصة التي تُستخدم من أجل عمليات التعذيب. قالوا له : “من الأفضل لك أن تعترف! إن زوجتك وابنك هنا!”. أجابهم: “أحضروهما أولاً!”. كانت الزوجة الشابة تنزف دماً، وقالت له: “لا تُخبرْ عن أحد! لقد حصل ما كنت تخشاه”. تعرض الاثنان لضربٍ عنيفٍ، ثم تم اغتصاب زوجته أمامه وهو مُعلّقٌ من معصميه على الحائط. قالوا له : “هل ستتكلم أم أنك تريد أن نستمر؟”. في هذه اللحظة، انتفضت الزوجة، واستولتْ على الفأس الصغير الذي يستخدمه الجلادون، وكسرتْ رأسها فيه. فيما بعد، تم ذبح الطفل أمام عيني والده. وماذا بعد؟ هل هي مبادراتٌ فرديةٌ وحشيةٌ يقودها بعضُ المرتزقة لحسابهم الخاص، أم أنها سلاحٌ استراتيجي تم التخطيط له وإصدارالأوامرللقيام به؟ بالنسبة لعبد الكريم ريحاوي رئيس الرابطة السورية لحقوق الإنسان ، ليس هناك أي شك؛ “إنه خيارٌ سياسي لسحق الشعب! تم تنظيم كل شيء بعناية: المنهجية والسادية والفساد. لا توجد أية صدفة. كل الروايات متشابهة، واعترف بعض الذين قاموا بالاغتصاب أنهم قاموا بذلك بناء على الأوامر”. يتفق المحامون الذين تم الاتصال بهم في سورية على هذه القناعة على الرغم من صعوبة جمع الدلائل. أكدت سيما نصار قائلة: “لديّ بعض الصور لعلب المنشطات التي يتغذى منها عناصر الميليشيات قبل اجتياح القرى” أشارت العديد من الشهادات أيضاً إلى وجود مواد تتسبب بالشلل يتم حقنها في أفخاذ النساء قبل اغتصابهن. انتحرتْ لأنها لا تستطيع الإجهاض أشارتْ إحدى الضحايا (أمل) إلى وجود طبيب في أحد أفرع المخابرات في دمشق يُطلق عليه اسم “السيد سيتامول” الذي كان يقوم بجولات على الزنزانات لتسجيل تاريخ الدورة الشهرية لكل امرأة وتوزيع حبوب منع الحمل. قالت أمل : “كنا نعيش في القذارة والدم والغائط وبدون مياه ٍوتقريباً بدون طعام، ولكننا كنا نعيش هاجس الحمل، ونأخذ هذه الحبوب بمواعيدها. وعندما تتأخرموعد الدورة الشهرية في إحدى المرات، أعطاني الطبيب بعض الحبوب التي تسببتْ بآلام ٍشديدةٍ في البطن طوال الليل”. إنها شهادة هامة من أجل إثبات الاغتصاب المتعمد أثناء الاعتقال. على الرغم من ذلك، وُلد بعض الأطفال جراء أعمال الاغتصاب الجماعية، مما أدى إلى مآسٍ متتالية. انتحرتْ فتاةٌ شابةٌ في اللاذقية لأنها لم تتمكنْ من الإجهاض، وسقطتْ فتاةٌ أخرى من شرفة منزلها في الطابق الأول بعد أن دفعها والدها، وعُثر على بعض الأطفال الرضع في شوارع درعا. قالت عضوة الائتلاف الوطني السوري علياء منصور يائسة : “كيف يمكن مساعدة هؤلاء النساء؟ إنهن خائفات جداً لدرجة بقائهن محبوسات في شقائهن دون الحصول على مساعدة بعد خروجهن من السجن”. روت لنا الشاعرة السورية في حمص لينا طيبي أن إحدى النساء نجحتْ في إجراء حوالي خمسين عمليةً لغشاء البكارة على فتيات مُغتصبات تتراوح أعمارهن بين 13 و16 عاماً خلال أسبوع واحد وبشكل سري جداً، وقالت: “إنها الوسيلة الوحيدة لإنقاذ حياتهن”. ولكن العائلات تتفتت، والأزواج يرحلون ويُطلّقون زوجاتهم. قامت إحدى العائلات بحمص بجمع أمتعة زوجة ابنها بهدف طردها من المنزل حتى قبل خروجها من السجن. كما يسارع بعض الآباء إلى تزويج بناتهم إلى أول شخص يطلب الزواج منهم مهما كان عمر الزوج. قالت إحدى طالبات الحقوق التي لم تتجرأ على الإفصاح عن مأساتها أمام أي شخص، ولا حتى أمام زوجها، قائلة: يهتم العالم بأسره بالأسلحة الكيمائية، ولكن الاغتصاب بالنسبة لنا نحن السوريات هو أسوأ من الموت" ”