هل تصبح سوريا مستنقعاً أفغانياً لبوتين؟
20 أيلول (سبتمبر - شتنبر)، 2015
مهدي سليمان
يعتبِر الرئيس بوتين الشرق الأوسط بمثابة منطقة أخرى على رقعة نفوذه العالمية، حيث يحاول فيها كبح جماح السياسات الغربية.
لقد أرسل الاتحاد السوفييتي في أواخر السبعينات من القرن الماضي عشرات “الخبراء” إلى أفغانستان. ومع مطلع الثمانينات من القرن نفسه، تبيَّن أن هؤلاء الخبراء ما كانوا إلاَّ مئات الآلاف من المقاتلين الذين خاضوا غمار تلك الحرب التي ُمني فيها الاتحاد السوفيتي، وإنْ بصورة جزئية، بهزيمة نكراء.
أما اليوم فإن روسيا لا تخفي سراً بأن لديها “خبراء” في سوريا، والأدهى من ذلك أنه تم استدعاء السفن الحربية الروسية إلى الموانئ السورية، ويمكن مشاهدة الطائرات الحربية والحوَّامات الروسية في المجال الجوي السوري. وقد عرضت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لجنود روس في الميدان في سوريا. كما ورد العديد من التقارير التي تؤكد قيام روسيا ببناء قاعدة عسكرية بحرية في سوريا.
ولا يبدو من الواضح بعد، ما هو العدد الفعلي للقوات الروسية ودرجة مشاركتها في القتال الدائر يومياً في سوريا، وفي حال كان هناك عدد كبير من الجنود الروس في ميدان المعركة، فمن غير الوارد أن يبقى ذلك سراً لمدة طويلة.
وما من شك في أن وجود الجنود الروس في سوريا سيبدو شاذاً عن الجغرافية السورية، سيما وأن موسكو فشلت فشلاً ذريعاً في الحفاظ على سرية وجود قواتها في شرقي أوكرانيا – رغم أن أوكرانيا تتشارك مع روسيا العديد من الخصائص الثقافية واللغوية والإثنية والدينية المتشابهة.
أهداف روسيا في سوريا
عندما صرَّح الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأن الرئيس بشار الأسد “يجب أن يرحل”، فهو، أي أوباما، لم يقم بشيء عملي ليدعم أقواله تلك، ولكن عندما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن الأسد سيبقى في السلطة، فقد سبقت أفعالُه أقوالَه ليقدِّم للأسد كل ما يستطيع.
وقد أدَّى ضعف أوباما واستعداد بوتين لإظهار قوته إلى ما آلت إليه الأمور اليوم في سوريا.
ويتجلَّى الهدف النهائي لروسيا في الحفاظ على نظام الأسد، وإذا ما رحل الأسد، فإن روسيا ستخسر قاعدتها البحرية الوحيدة في البحر المتوسط في ميناء مدينة طرطوس. وسيعتبر ذلك ضربةً قاسيةً لموسكو على اعتبار أن تلك المدينة هي الميناء الوحيد للنفوذ الروسي في البحر المتوسط، عدا عن كونها موطئ القدم الوحيدة لها في منطقة الشرق الأوسط.
وحتى وإنْ تشبَّث الأسد بالسلطة وبقي فيها، فهو لن يسيطر على كامل سوريا كما كان في سابق عهده، ويعرف بوتين ذلك تماماً. ولذلك فمن المحتمل أن تساعد روسيا في مساندة دفاعات الأسد في المنطقة المحيطة باللاذقية – حيث يحتفظ الأسد بالدعم الأقوى له من مواليه، ومن حسن حظ بوتين أن تلك المنطقة هي المنطقة ذاتها التي تقع فيها القاعدة البحرية الروسية.
الشرق الأوسط هو ساحة بوتين الأخيرة لكبح جماح السياسات الغربية
يعتبِر الرئيس بوتين الشرق الأوسط بمثابة منطقة أخرى على رقعة نفوذه العالمية، حيث يحاول فيها كبح جماح السياسات الغربية. ولا يكترث بوتين، في قرارة نفسه، إذا احترق الشرق الأوسط أو لقي آلاف الضحايا مصرعهم. ويرى بوتين أن فشل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ما هو إلاَّ نصر له، والاحتفاظ بقاعدة بحرية روسية هناك هو مجرَّد مكسب إضافي لذلك النصر، ويبدو الأسد سعيداً بلعب دور المضيف للروس مهما كلَّف الثمن.
وقد كان هناك الكثير من التركيز على إيران باعتبارها الضامن الرئيسي لبقاء نظام الأسد. ورغم أنَّ طهران تلعب دوراً مهماً في هذا المجال، فلا ينبغي المبالغة في تضخيم ذلك الدور.
ففي الوقت الذي تستطيع فيه إيران تمويل حرب في سوريا باستخدام وكلائها الموالين لها، فإن روسيا هي الجهة الوحيدة فقط التي بحوزتها الموارد القومية والقدرة على إرسال حملات عسكرية للتدخل بطريقة هادفة لدعم النظام السوري.
والأهم من ذلك بالنسبة لدمشق هو أنَّ موسكو هي الوحيدة التي تتمتع بحق النقض في مجلس الأمن، وهي التي تستطيع تأجيل الجهود الدولية الرامية لإزاحة الأسد، لا بل إن بإمكان الفيتو الروسي تعطيل تلك الجهود وإفشالها.
الأفعال لروسيا، وردود الأفعال للغرب
يعتقد أوباما بأن قول شيء ما وفعله هما أمران سيَّان – أي أن إلقاء خطاب وتطبيق سياسة ما لهما المفعول نفسه، وهذا هو الفرق الرئيسي بين أوباما وبوتين، أو بكلمات أخرى، بين الغرب وروسيا.
وحيثما تقوم روسيا بفعلٍ ما، يقوم الغرب بردة فعل إزاء الفعل الروسي. وتلك سياسة دأب الغرب وروسيا على تطبيقها في كافة أنحاء العالم، ويمكن ملاحظتها من خلال التطورات الأخيرة في شرقي أوكرانيا، واختبار نوايا الناتو، والاتفاقية النووية مع إيران، والآن من خلال وجود القوات البرية الروسية في سوريا. ويبدو من الواضح بأن لدى روسيا استراتيجية لتحقيق أهدافها القومية، أما الغرب فليس لديه أي استراتيجية.
وإلى حين توافر قيادة حقيقية في الغرب، ووضع أهداف واضحة المعالم، وتطوير استراتيجية منسجمة وموحَّدة لتحقيق تلك الأهداف، ستستمر روسيا في التفوق على الغرب في بلدان مثل أوكرانيا وسوريا.
وكل ما يمكن أن نترقبه هو حجم الضحايا والثمن الذي يرغب بوتين في دفعه لمساندة الأسد والحفاظ على قاعدة روسيا البحرية، ولكن هناك شيء واحد أكيد ألا وهو أن روسيا تقوم باللعب بالنار في سوريا.
وعلى الرغم من أن الوضع في سوريا مختلف عما كان عليه الوضع في أفغانستان في أواخر السبعينات والثمانينات من القرن الماضي في نواحٍ عديدة، إلا أنه توجد أوجه تشابه بارزة بين التصعيد السوفييتي الإضافي في أفغانستان آنذاك وبين ما تفعله روسيا اليوم في سوريا. فقبل أن يدرك الشعب الروسي ما الذي يجري، قد يتحول “الخبراء” الروس في سوريا بقدرة قادرٍ إلى جنود، ويتحول الجنود، بقدرة قادرٍ أيضاً، إلى توابيت مليئة بالجثث.
وفي ظل تهلهل الاقتصاد الروسي، وانخفاض أسعار النفط، والصراع الذي يراوح مكانه في شرقي أوكرانيا، هل يستطيع بوتين أن يتحمل أعباء مغامرة عسكرية أخرى خارج روسيا؟
نعم إن بوتين يستطيع تحمل ذلك، ولكن الجهة التي لا تستطيع تحمل أعباء تلك المغامرة هي الشعب الروسي المسكين.