“كلّنا مع بقاء الأسد”!


محمد أبو رمان

الموقف الذي أعلن عنه وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أول من أمس، بأنّ الولايات المتحدة تريد رحيل الأسد، لكن ليس بالضرورة الآن! هو بمثابة تطوّر جديد في “لغة الخطاب” الدبلوماسي الأميركي (بالرغم من أنّها ليست المرة الأولى التي يصرّح فيها كيري نفسه بما يقترب مما قاله مؤخراً). إلا أنه -أي تصريح كيري- ليس “جديداً” في مضمونه الحقيقي والفعلي، بل هو “متأخر” كثيراً عن “الموقف الأميركي” الواقعي على الأرض!
منذ اليوم الأول، طرح الأميركيون وحلفاؤهم الأوروبيون سؤال اليوم التالي لرحيل الأسد. وهو سؤال يستبطن قلقاً عميقاً من رحيله بذريعة الخشية من سيطرة القوى الإسلامية (معتدلة أو متشددة) على مقاليد الأمور بعد ذلك، مما انعكس على الموقف الغربي المتردد تماماً في دعم المعارضة المسلّحة التي انطلقت منذ أواسط العام 2011.
هذا الهاجس الأميركي والغربي ارتفع مستواه إلى أعلى درجة خلال الأشهر الماضية، مع صعود تنظيم “داعش” و”جبهة النصرة” من جهة، والتدهور المستمر في وضع الجيش السوري النظامي، الذي أصبح يخسر المناطق والقواعد العسكرية والمطارات الحربية بسهولة شديدة. وهو الأمر الذي دفع بسرعة التدخل الروسي لإنقاذ النظام من السقوط الفوري وإبقائه على قيد الحياة، حتى لا تصبح البلاد في قبضة قوى المعارضة المختلفة.
الموقف الأوروبي، تحديداً، وإن بدا منقسماً تجاه الأسد، إلا أنّ هاجس رحيله واليوم التالي لذلك بقي مسيطراً على الجميع، فيما لم تخجل بعض الدول الأوروبية من الإعلان صراحة وجهاراً عن أنّ الأسد هو الشريك المعتمد في محاربة “داعش”، وأنّها تفضل التعامل معه في المرحلة الراهنة!
بالطبع، هذه المواقف المؤيدة لبقاء الأسد؛ صراحةً من أوروبيين وغربيين وروس وإيرانيين وبعض الأنظمة العربية (سراً وعلانية)، أو ضمناً مثل الموقف الأميركي الحقيقي، أصبحت اليوم هي الطاغية على الأجندات الدولية والإقليمية، أي أنّ الجميع يصرّح ويقول “كلنا مع بقاء الأسد”، بما أنّنا لا نملك ضمانات لليوم التالي لرحيله، وبما أنّ الوريث اليوم هو جماعات إسلامية.
ومن قال إنّ الموقف الإسرائيلي مختلف، فالإسرائيليون على الرغم من كراهيتهم للأسد وإيران وحزب الله، إلا أنّهم قلقون تماماً من أي إطاحة بالنظام السوري تؤدي إلى حالة فوضى وانتشار الجماعات الإسلامية المختلفة، التي حتى وإن كانت لا تستهدفها اليوم، فهي على المدى البعيد أخطر بكثير من النظام السوري على حدودها التي بقيت آمنة وسالمة في الجولان منذ حرب 1973!
إذن، تلك كذبة كبيرة اختلقها النظام السوري وردّدها مؤيدوه بأنّ هناك مؤامرة دولية وإقليمية للإطاحة بالأسد وتقسيم سورية، فالعكس صحيح تماماً؛ أجندات القوى الكبرى الدولية والقوى الإقليمية هي التي شكّلت سياج الحماية للحفاظ على نظام الأسد من الوقوع، حتى وإن أسهمت بعض الدول العربية وتركيا في دعم المعارضة المسلحة وإضعاف الأسد، إلا أنّ القرار الدولي والإقليمي كان -وما يزال- هو الإبقاء على الأسد، حتى تنضج الوصفة السحرية للحل السياسي في سورية، الذي يحافظ على مصالح الدول الفاعلة والمؤثرة، دولياً وإقليمياً!
اليوم، تبدو الصفقة الدولية أكثر وضوحاً وسفوراً عبر الدور الروسي المباشر لإنقاذ الأسد، والتواطؤ الأميركي، والشراكة الحقيقية بين هذه الأطراف لمنع انهيار هذا النظام، وهو التنسيق الذي يمكن أن يتطور بصورة نوعية لاحقاً!
هل هنالك خشية، حقّاً، من أنّ سقوط نظام الأسد، يمكن أن يؤدي إلى فوضى وانتشار التطرف وحرب داخلية؟ بالتأكيد: نعم، لكن من الذي فعل بالسوريين كل هذه الأهوال وأوصلهم إلى هذه الحال؟ هما طرفان رئيسان: أولاً الأسد، وثانياً حلفاؤه المباشرون، إضافة إلى أعدائه الوهميين!

المصدر: الغد الاردنية