اللاجئون والمهاجرون … ليسا سيين


سيمون هيفر

رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان الذي أقام قبل أيام سوراً لمنع المهاجرين غير الشرعيين القادمين من صربيا من التدفق إلى بلده مثال للكراهية، وعندما مُنع المهاجرون من سلوك هذا الدرب، توجهوا إلى كرواتيا وسعوا إلى دخول هنغاريا عبرها، ورداً على ذلك يقيم أوربان راهناً سياجاً شائكاً بين بلده وكرواتيا.
لكن دولاً أوروبية أخرى تعبّر عن استيائها تجاه أعماله هذه، فلم ينجح أوربان في التخفيف من غضبها بتبرير أعماله بحجة واهية، مدعياً أنه يود إبقاء هنغاريا بلداً مسيحياً، إلا أن مَن يحاولون في أوروبا البروز بانتقاد أوربان (ونعلم جميعنا أنه ما من سبيل أسرع إلى اكتساب الاحترام من الظهور بمظهر مَن يهاجم شخصاً يُعتبر عنصرياً) يتجاهلون بالتأكيد الواقع المرير: أن معظم مواطني بلده يوافقونه الرأي.
أعتقد أن عدداً كبيراً من الأوروبيين الآخرين الذين يواجه معظمهم موجة من المهاجرين لم يروا لها مثيلاً، يملكون المشاعر عينها، فمن السهل توجيه الانتقادات عندما تكون بعيداً عن خط المواجهة أو عندما تحتفظ، على غرار ألمانيا، في ذاكرتك الحية بصور جرائم عنيفة اقترفتها ضد الإنسانية وتشعر أن عليك التكفير عنها علانية، لكن أوربان فهم مشاعر شعبه وتصرف وفقها، كما يجب أن يفعل أي قائد ديمقراطي.
لكن هنغاريا بدت متهورة حقاً، فلا يقتصر ذلك على التصرف بقسوة أو تجاهل على ما يبدو معاناة اليائسين حقاً، فعلى غرار اليونان التي انضمت إلى منطقة العملة الواحدة، ومن ثم تذمرت من اضطرارها إلى الخضوع لقواعدها، انضم هذا البلد بحماسة إلى الاتحاد الأوروبي وأراد الاستفادة من كل ما يقدمه، لكنه يود اليوم أن ينتقي ما يروق له فقط، ويعترض على الطلب المشاركة في خطة شاملة في الاتحاد الأوروبي لاستقبال ملايين المهاجرين. هذا ما يحدث عندما تتنازل عن سيادتك لقوة أجنبية، ولا شك أن عجز الاتحاد الأوروبي الكامل عن التعاطي مع أزمة هجرة عالمية يشكل أحد الأسباب التي تدفع غالبية البريطانيين في استطلاعات الرأي إلى تأييد الانفصال عن أوروبا، إذ تتعرض بريطانيا أيضاً للضغط كي تستقبل عدداً كبيراً من المهاجرين.
لكن الاتحاد الأوروبي يعجز، على سبيل المثال، عن التمييز بوضوح بين اللاجئين الحقيقيين والآخرين، فتُظهر الصور الأخيرة أن سورياً واحداً فقط من كل خمسة لاجئين هارب من الحرب الأهلية، ويأتي «الآخرون» من إفريقيا أو آسيا ليبحثوا عن دولة رعاية يستقرون فيها، فمَن يدّعون من الشرق الأوسط أنهم لاجئون يعودون إلى أوروبا للمشاركة في عمليات قتل إرهابية. يُقال لنا إن أجهزتنا الأمنية تعمل على هذه المسألة، غير أن مهمتها تزداد صعوبة مع دفق كبير قد يشكل إرهابيون محتملون جزءاً منه، ويعززه إخفاق الاتحاد الأوروبي (ورفض إقفال الحدود المفتوحة بموجب اتفاق شنغن القديم).
رغم ذلك، لم تُتخذ في بريطانيا أي خطوات لتحضير الناس للاضطلاع بالتزاماتهم تجاه الفوضى في سورية، فتشهد بريطانيا عداء كبيراً تجاه الهجرة لأن الناس يشعرون أنه ما من سياسي قد ننتخبه يتمتع بالسلطة لضبطها، وإن لم يكن الاتحاد الأوروبي مستعداً لفصل الأخيار عن الأشرار، فعلى حكومتنا ان تتصرف على غرار أوربان: فرض ضوابط متشددة على الحدود والإسراع إلى ترحيل علانية كل مَن يدخلون أراضينا من دون وجه حق، وهكذا ننتقل بعد ذلك إلى الإعراب عن مسؤوليتنا الأخلاقية المهمة تجاه مَن هم حقاً عرضة للخطر.
ولكن ثمة مخاوف أخرى، فمنذ سنوات يُنعت أي سياسي يتجرأ على ذكر المشاكل المحتملة التي ترافق الهجرة الجماعية بالعنصري، ولا يقتصر هذا على إينوك باول، الذي حذر قبل خمسين سنة من رد فعل شعبنا في حال أُرغم على القبول بأعداد كبيرة من المهاجرين من دون موافقته، بل يتعداه إلى مارغريت تاتشر وكثيرين غيرها، وقد أدى الفشل في خوض هذه المناظرة إلى تراكم استياء كبير تجاه الطبقة السياسية، فبدأ هذا الغضب يغلي اليوم.
لكننا نشهد أيضاً تسامحاً في التعاطي مع التعددية الثقافية دفع بريطانيين كثراً إلى الاعتقاد أننا نؤوي مجتمعات من المهاجرين لا تتصرف بعدائية تجاه نمط حياتنا فحسب، بل ترغب أيضاً في تبديله بالكامل، وهذا ما يحاول أوربان توضيحه، ورغم ذلك تأملوا كم انتقد لتعبيره عن وجهة نظر مماثلة، ولكن إن كانت أمة ديمقراطية تُجمع على نمط حياة يسر معظم مواطنيها، فبأي حق، بخلاف موافقة أولئك المواطنين أنفسهم، يمكن تغييره؟
حتى تريفور فيليبس، الذي يجعله عمله في لجنة المساواة من الشخصيات الأكثر صواباً سياسياً في بلدنا، أقر مراراً أن التعددية الثقافية أخفقت، ويتضح إخفاقها هذا من خلال تردد البريطانيين في استقبال المزيد من المهاجرين ورغبتهم في استعادة سيطرتهم على هذه السياسة.
علينا قبل أن نرجم أوربان أن نفكر في ما إذا كنا نرغب في الحفاظ على نمط حياتنا، ويلزم أن نواصل بالتأكيد استقبال اللاجئين، وأن نُظهر أننا حقاً البلد الرفيع الأخلاق الذي نخاله، ولكن من الضروري أن نتذكر أيضاً أن الكلمة الأخيرة في هذه المسألة تعود، في بلدنا الديمقراطي كما في بلد أوربان، إلى الشعب، وأعتقد أننا نقر جميعنا بأن الشعب لم يُسأل بعد بالطريقة المناسبة عن رأيه.
المصدر : الجريدة عن «تلغراف»