تردد البيت الأبيض يشل حلفاءه أمام «داعش»
27 سبتمبر، 2015
ديفيد إغناطيوس
في الوقت الذي تتشاحن فيه إدارة أوباما حول استراتيجيتها تجاه سوريا، تتمركز ميليشيا كردية تدعي أن بصفوفها أكثر من 25 ألف مقاتل متمرس على بعد عدة أميال شمال الرقة، عاصمة المناطق التي يسيطر عليها «داعش» على استعداد للزحف إليها.
من جهتها، قدمت قوات العمليات الخاصة الأميركية دعمًا جويًا وتدريبًا وإمدادات لمجموعة كردية سورية تعرف باسم «وحدات الحماية الشعبية». وتوجد داخل قاعدة جوية أميركية بالخليج شحنة تضم أسلحة ومساعدات أخرى، في انتظار الحصول على تصريح من واشنطن لإسقاطها جوًا فوق المقاتلين الأكراد وحلفائهم من العرب السنة.
من جانبه، قال صالح مسلم، رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يتولى الإشراف على الميليشيا: «ليس لدينا اعتراض على التعاون بصورة أكبر مع الولايات المتحدة»، إلا أنه استطرد أن الهجوم النهائي على الرقة يمكن أن يجري تنفيذه بالاعتماد على 5 آلاف مقاتل عربي قبلي بالمنطقة يعملون مع «وحدات الحماية الشعبية».
وذكر كثير من المسؤولين الأميركيين أنهم في انتظار صدور قرار من البيت الأبيض بالموافقة على توسيع نطاق المساعدات منذ أكثر من أسبوع. وقد تعقدت المشاورات حول هذا الأمر جراء الجدال الدائر حول التحركات العسكرية الروسية الأخيرة داخل سوريا، والتي وصفتها موسكو بأنها تأتي في إطار جهود للانضمام للقتال ضد المتطرفين.
من جهته، وصف أحد المسؤولين الأميركيين المحبطين بطء عملية الموافقة بأنه «شلل في التحليل». ويرى أنصار الموافقة أنه في أعقاب الانتكاسات التي منيت بها مهمة «التدريب والتجهيز» الأميركية لقوات سورية معتدلة مؤخرًا، فإن المقاتلين الأكراد يمثلون الخيار الأفضل في مواجهة المتطرفين، مشيرين إلى أن الدعم الجوي لن ينطوي على مخاطرة سقوط أعداد كبيرة من الضحايا في صفوف القوات الأميركية، علاوة على أنه لن ينتهك التفاهمات الأميركية – التركية الحالية، بجانب أنها لن تهدد الروس.
وقال مسلم إن «قوات (وحدات الحماية الشعبية) تزيد على التقدير الأميركي الرسمي البالغ 25 ألف فرد»، لكنه رفض الإفصاح عن العدد الحقيقي في رأيه. وقال مسؤولون أميركيون وأكراد إن «قوة (وحدات الحماية الشعبية) على الأرض واستعدادها للقتال والهجوم معروفة بالفعل لمسلحي (داعش)، الذين يتعرضون لهجمات داخل الرقة من قبل الضربات الجوية للتحالف، بينما يخوضون قتالاً ضد (وحدات الحماية الشعبية)».
من ناحية أخرى، يحظى مقاتلو «وحدات الحماية الشعبية» بتقدير بالغ من جانب قادة عسكريين أميركيين، خاصة أنهم اكتسحوا المنطقة الواقعة غرب قواعدهم في إقليم كردستان، بدعم جوي أميركي، وسيطروا على مساحة واسعة من شمال شرقي سوريا، يقدر مساحتها أحد المسؤولين بقرابة 17 ألف كيلومتر مربع. وكانت «وحدات الحماية الشعبية» انتصرت في يناير (كانون الثاني)، في معركة حامية الوطيس لطرد تنظيم داعش من مدينة كوباني الحدودية.
وقد ناقش قادة عسكريون أميركيون مع نظرائهم من «وحدات الحماية الشعبية» التحرك جنوبًا لتطويق الرقة، بينما تهاجم الطائرات الأميركية وطائرات التحالف المدينة جوًا.
وبمجرد تطويق المقاتلين الأكراد للمناطق القريبة من الرقة، ستترك مهمة شن الهجوم الأخير وتطهير المنطقة لقوة عربية سنية. من جهته، قال مسلم إن «نحو 3 آلاف من أعضاء قبيلة الشمار تحارب بجانب (وحدات الحماية الشعبية) في منطقة الحسكة، شمال شرقي الرقة، وإن أكثر من ألف سني آخرين يحاربون على مقربة أكبر من المدينة». ومع ذلك، يبقى أي هجوم محتمل ضد الرقة على بعد شهور من الآن.
والملاحظ أن «وحدات الحماية الشعبية» شكلت أكثر حليف جدير بالاعتماد عليه بالنسبة للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في سوريا، لكن التحالف يحمل في ثناياه كثيرًا من التعقيدات الإقليمية؛ فأولاً: ترتبط الميليشيا بصلات وثيقة بمجموعة كردية عراقية تعرف باسم «الاتحاد الوطني الكردستاني»، الذي انقسم على نفسه لمجموعات كثيرة في السنوات الأخيرة، وعزز روابطه بإيران. ثانيًا: ترتبط «وحدات الحماية الشعبية» بصلات وثيقة للغاية مع ميليشيا تركية راديكالية تعرف باسم «حزب العمال الكردستاني»، التي تعدها الحكومة التركية تنظيمًا إرهابيًا. الملاحظ أن سوريا بدت بمثابة كابوس أمام صانعي السياسات الأميركية لأسباب عدة منها تعقيد المعارك الدائرة هناك. يذكر أن «وحدات الحماية الشعبية» تحظى بدعم إيران، خصمنا، بينما تشعر تركيا، حليفتنا، بالريبة تجاهها. من ناحيتها، تقول واشنطن إنها «ترغب في العمل على إقرار تسوية دبلوماسية بمعاونة روسيا، التي ترسل قوة عسكرية كبيرة جديدة إلى شمال سوريا».
في خضم هذا الغموض السياسي، فإن الهدف الوحيد الذي تتشارك به جميع العناصر الكبرى – الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران والسعودية والأردن وحتى النظام السوري ذاته – هزيمة «داعش»، وتمثل أفضل المقاتلين المدعومين من واشنطن في مواجهة المتطرفين في الأكراد السوريين، الذين أكدوا استعدادهم لبذل جهود أكبر بكثير، بدعم أميركي.
عن ذلك، قال مسلم: «الثقة قائمة بين قوات وحدات الحماية الشعبية والقوات الأميركية». في سوريا، حيث دائمًا ما يبدو أن الخيارات جميعها سيئة، فإن معاونة الأكراد السوريين على قتال «داعش» ينبغي أن تكون أمرًا من المسلمات.
المصدر: الشرق الأوسط اللندنية
“تردد البيت الأبيض يشل حلفاءه أمام «داعش»”