تعويم الأسد


د. عبدالله السويحي

تناقلت وكالات الأنباء والصحف العربية والخليجية خبر ظهور الرئيس السوري بشار الأسد، وهو يصلي صبيحة يوم عيد الأضحى في جامع العادل في دمشق.
وهذا نشاط ليس بجديد أو نادر، كما ذكرت الصحف تبريراً للنشر، وإنما ظهر الأسد في معظم الأعياد وفي مناسبات عامة منذ اندلاع المواجهات بين جيشه والمسلحين السوريين المعارضين والإسلاميين غير السوريين.
واللافت للانتباه أن الخبر نُشر مدعوماً بصورة كبيرة، خالية من مفردات التهكم والعدوانية، كما كانت الصور تقترن عادة في السابق، وهذه علامة جديدة على أن أوراق اللعبة تغيرت، كما يأتي في إطار تعويم الأسد كرجل المرحلة القادمة، التي يقول العالم كله إنها مرحلة مواجهة ومكافحة الإرهاب والتطرف.
ومن مظاهر التعويم أيضاً تصريحات للمستشارة الألمانية إنجيلا ميركل، التي قالت إن لا إمكانية لحل سياسي بوجود الإرهاب والتطرف، وذكرت أن جيش النظام السوري سيلعب دوراً محورياً في هذا الشأن، وهذا التصريح لميركل يتشابه مع تصريحات لزعماء أوروبيين عديدين أصبحوا يرون في الأسد رئيساً مقبولاً في المرحلة القادمة، حتى أن وفداً رسمياً فرنسياً سيزور سوريا في الفترة المقبلة للتباحث حول مواجهة الإرهاب.
والتعويم الآخر جاء على لسان الرئيس التركي أردوغان بعد لقائه الرئيس الروسي بوتين الذي قال إن الأسد يمكن أن يكون جزءاً من الحل، لكنه لن يكون جزءاً من مستقبل سوريا، وهو كلام دبلوماسي يحفظ ماء الوجه، علماً أن أردوغان كان من أشد الكارهين للأسد خلال السنوات الأربع الماضية، ولعب دوراً كبيراً في تصدير المقاتلين المتطرفين إلى سوريا.
التعويم الكبير والعملي الذي تجاوز التصريحات جاء من خلال الموقف الروسي الذي يعمل بسرعة فائقة على تعزيز قاعدته في ميناء طرطوس، ويقيم قاعدة عسكرية أخرى في اللاذقية، وهناك أخبار تقول إنه ينشط لإقامة أربع قواعد عسكرية على الأراضي السورية.
والترجمة الفعلية الأخرى دخلت حيز التنفيذ، إذ بدأ النظام السوري في استخدام طائرات من دون طيار لشن هجمات على المسلحين، إضافة إلى الصواريخ والطائرات الحديثة، بل إن موسكو أبدت استعدادها لإرسال قوات روسية إلى سوريا لو طلبت دمشق منها ذلك.
كما كان الرئيس الروسي صريحاً جداً في تصريحاته مؤخراً من خلال حوار أجرته معه القناة التلفزيونية الأمريكية «سي بي إس»، وقال تعليقاً على رأي بأن أحد أهداف موسكو يتمثل في إنقاذ القيادة السورية وعلى رأسها الرئيس بشار الأسد الذي يتعرض لهزيمة في النزاع المسلح: «صحيح.. هكذا هو الأمر». ويستند الرئيس بوتين في موقفه إلى أن «العمل في الاتجاه الآخر الموجه إلى تدمير الحكومة الشرعية، سيخلق وضعاً يمكن رؤيته في دول أخرى في المنطقة وفي مناطق أخرى، على سبيل المثال في ليبيا، حيث دمرت مؤسسات الدولة».
ونحن نرى وضعاً مماثلاً، للأسف، في العراق أيضاً».
الغرب يدعي أنه فوجئ بالنشاط الروسي ويقوم بدراسته، والولايات المتحدة تحذر – على استحياء – منه وتقول إنه سيعقّد الصراع في سوريا، بينما يقوم مسؤولون أمريكيون بعقد اجتماعات مع المسؤولين الروس للتنسيق والعمل سوياً ضد التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم (داعش).
الكيان الصهيوني تحرّك بشكل فوري، فانطلق نتنياهو رئيس الحكومة «الإسرائيلية» نحو موسكو وعقد اجتماعاً مع الرئيس فلاديمير بوتين، قالت الصحافة عنه إنه في إطار منع الروس من إرسال السلاح إلى سوريا، ونتج عن اجتماع نتنياهو- بوتين أن اتفق الطرفان على عدم قيام الطائرات الروسية باعتراض أي نشاط ل«إسرائيل» فوق الأراضي السورية، وأن تبقى الجبهة السورية هادئة.
هذا كل ما استطاع نتنياهو فعله أو الحصول عليه.
البلدان العربية لم تعلن أي موقف حتى الآن، ويبدو أن اللعبة خرجت من بين أياديهم، وأصبحت الدول الكبرى هي المتحكمة بكل الأوراق.
وكذلك لم يصدر أي تعليق واضح من الحكومة الإيرانية تعقيباً على التدخل الروسي الواضح والثقيل، والذي ظن البعض أنه هذا التدخل سيخلق صداماً إيرانياً روسياً في المنطقة، بل ظنوا أنه قد يقود إلى صدام بين روسيا والولايات المتحدة.
بينما الأمر كله، وخلافاً لما يطرحه المحللون ووسائل الإعلام، يتم ضمن اتفاقيات وتفاهمات تحت الطاولة، إذ لا يمكن لروسيا أن تقوم بكل هذا النشاط من دون ذلك، فحين يلعب الكبار فإنهم يلعبون باحتراف، والمنطقة قادمة على تقسيم النفوذ بين اللاعبين الكبار، ويبدو أن الروس يقومون باللعب بقوة وحسم، فالتطرف يطرق حدودهم، والإرهاب يتسلل إلى الجمهوريات المحيطة بهم، ولن ينتظر بوتين حتى يتجمع المتطرفون في الشيشان أو قرغيزستان ليحاربهم، فضلاً عن أهمية التواجد الاستراتيجي للروس في البحر الأبيض المتوسط.
ومستقبل الرئيس السوري الذي يقول كثيرون ومن بينهم أردوغان أن الأسد لا دور له في مستقبل سوريا، جاء من يؤكد على أن للأسد دوراً في مستقبل سوريا، إذ أعلنها بوتين صراحة أن هدف تحركاته العسكرية الحفاظ على النظام وإنقاذ مؤسسات الدولة والجيش من الانهيار، مع تصريح دبلوماسي يخفف من وطأة الموقف يقول إن الشعب السوري هو من يختار رئيسه وقيادته، وهم يعرفون أن نصف الشعب السوري إما لاجئ أو مهاجر أو قتيل أو جريح.
المتأمل للمشهد الغرائبي العجيب قد يصاب بالدهشة الحاملة للألم، فبعد خمس سنوات من شحن الرأي العام العربي والعالمي ضد النظام السوري، والأسد بشكل خاص، وتصدير المقاتلين والمسلحين المتطرفين إلى سوريا، وتدمير البيوت والشجر والتاريخ، تظهر حملة عجيبة لتعويم الرئيس الأسد لقيادة المرحلة الانتقالية، وربما المستقبلية، وهنا لا بد من ملاحظة الصمت المطبق للائتلاف السوري المعارض، الذي فقد زمام المبادرة، لأنه في الأساس كان ورقة لا حول لها ولا قوة بيد اللاعبين، أما المعارضة الداخلية فهي متناغمة مع عملية السلام، ووقف نهر الدم والموت.
وفي النهاية، ما على المراقب سوى التأمل في المشهد المعقد في سوريا، الذي سينعكس لا محالة على المشهدين في العراق وليبيا، فاللاعبون هم أنفسهم في المناطق جميعها.
أما السؤال الكارثي الذي يطرحه الأموات والأحياء والجرحى واللاجئون: لماذا حدث كل ما حدث، طالما أن المشهد سيعود إلى أوله؟ الإجابة لن تكون سهلة أبداً على الرغم من وضوحها لدى اللاعبين الكبار والصغار، والأيام المقبلة ستفسّر ما يحدث، ولاسيّما الدور الروسي.

المصدر: الخليج الإماراتية