الجميع يقطِّعون سوريا… و”المعارضة” غير فاعلة


سركيس نعوم

قبل الجواب عن سؤال: ماذا عن مسؤولية “داعش” في إحباط الحل السياسي للأزمة – الحرب السورية، تشير معلومات مركز الأبحاث العربي الجدي نفسه إلى أن إيران تركت خياراتها مفتوحة. ويعني ذلك أنها مع سوريا موحّدة إذا قام النظام السياسي الجديد فيها على تسوية شبيهة باتفاق الطائف “اللبناني”، شرط ضمان مصالحها. أما إذا لم يتأمن ذلك كله فإنها ستؤيّد “الكانتون الغربي” الذي سينكفئ اليه الرئيس الأسد. وتشير أيضاً الى أن الأخير يفضل أن يرى حرباً طويلة الأمد بين “داعش” وأعدائه الذين على شاكلته في المناطق السورية الأخرى، إذ إن ذلك يسمح له بالتنفّس فضلاً عن أنه قد يؤدي إلى تدخّل دولي. ومن شأن ذلك أن يسمح له بعقد صفقة أو تسوية، أفضل من بقائه في “الكانتون” المذكور منتظراً هجوماً سنّياً كبيراً عليه هدفه إعادة توحيد البلاد. وتشير ثالثاً، إلى أن روسيا وصلت إلى طريق مسدود في مساعيها لإقامة تعاون جماعي إقليمي ودولي ضد الإرهاب يكون الأسد شريكا فيه. وأحد أبرز الأسباب الرفض السعودي.
انطلاقاً من ذلك يرى المركز البحثي نفسه أن للأسد مصلحة واضحة في توسيع “داعش” وجوده في المناطق الخارجة عن سيطرته، إذ إن ذلك يؤخّر أي هجوم عسكري عليه في الغرب السوري، ويعقِّد في الوقت نفسه أي حل سياسي على حسابه، ويحوِّل سوريا غير الأسدية جحيماً لا يطاق. ويرى أيضاً أن إيران والأسد لم يتوصلا بعد إلى قرار استراتيجي بقبول مطالب المعارضة أو أي صيغة قريبة منها. ولذلك فإنهما سيحاربان معاً لتحسين أوضاعهما على الأرض استعداداً لتفاوض قد يحصل في مرحلة لاحقة. ويرى ثالثاً أن “داعش” لا يرحّب بالمحادثات الديبلوماسية، وأنه قرّر العمل لإحباط أي صفقة أو تسوية اقتناعاً منه بأنها ستغيّر ميزان القوى على الأرض، وتالياً ستكون ضد مصلحته. وبذلك تتلاقى ظاهرياً ونظرياً مواقف الأسد و”داعش” ضد الحل السياسي. ويرى رابعاً أن العمل العسكري الذي يقوم به “داعش” مثل وصل مناطق سيطرته بشرق القلمون ومثل قطع اوتوستراد دمشق – حمص، ومثل السيطرة على ما يسمى “المثلث الاستراتيجي” حيث يحتفظ النظام السوري بالكثير من أسلحته المعقَّدة، ومثل تقدمه في شمال حلب على حساب تنظيمات منافسة له، يرى أن هذا العمل يؤكد أمرين: الأول، استشراس “داعش” لمنع الحل السياسي. والثاني، السيطرة شمالاً على منطقة نفوذ تركيا في سوريا، الأمر الذي يفرض على الأخيرة إما التفاهم معه وإما محاربته في العمق السوري. هذا فضلاً عن أن “داعش” يعمل على إعادة تحريك جبهة الجنوب بواسطة حلفاء له والهدف منع اعدائه من التقدم نحو دمشق.
هل من تناقض بين أهداف إيران والأسد؟
التناقض البنيوي بينهما يكمن في أن ترحيبهما بتقدم “داعش” وبنتائج حربه مع أعدائه الذين على شاكلته لحماية “الكانتون الغربي” لا بد من أن ينهي التسوية التي قد تشبه “طائف لبنان”. إلا إذا كان الهدف النهائي الفعلي التمسّك بالخطة “باء” وحماية “كانتونها”. وانطلاقاً من ذلك يعتقد باحثو المركز العربي نفسه أن في مناورة الأسد – إيران مخاطرة كبيرة، إذ مَن سيمنع “داعش” من الزحف على “الكانتون الغربي” في حال صار قوة مسيطرة على معظم سوريا؟
في أي حال هناك افتراض عند واشنطن وعواصم غربية أخرى يفيد أن الوضع يبقى قابلاً للإدارة في حال حصل ذلك. لكنه غير منطقي لأنه يقلص دور “داعش” قياساً إلى حجمه المتضخم ويهمل الديناميات داخل المعارضة السورية استناداً إلى اقتناع بأن عواصم إقليمية معنيّة قادرة على ضبطها. في اختصار يبدو من كل المشروح أعلاه أن الأسد و”داعش” يعطّلان الحل السياسي. لكن الأمر المذهل والصاعق هو سلبية المعارضة واستسلامها للواقع وانقيادها إلى جهات خارجية عدة وجمودها في وقت تتسابق جهات عدة داخلية وخارجية على تقطيع سوريا. فتركيا عندها (Buffer zone) منطقة فاصلة في سوريا وكذلك الأردن وإسرائيل. والأسد وإيران سيكون لهما بعض الغرب. و”حزب الله” يقاتل للسيطرة على منطقة سورية محاذية لمنطقته في لبنان. و”المعارضون” في سوريا يتقاتلون ويتركون بلادهم تنزف ولا يبدو أنهم يسمعون صرخات شعبهم وأصوات السكاكين التي تُقطِّع الجغرافيا وتقطع رقاب أبنائها.

المصدر: النهار اللبنانية