في المشهد السوري مجدداً


يونس السيد

ليس من قبيل المبالغة أن الاقتحام الروسي للمشهد السوري وتداعيات هذا الاقتحام على الساحة الإقليمية والدولية، لم يأت فجأة ولم يكن وليد الصدفة، بقدر ما كان مدروساً ومخططاً له بعناية بعدما استنفد الروس وسائل الحل السياسي كما أرادوه هم في مؤتمري «موسكو1 و2» أو حتى «جنيف 1 و2»، ووجدوا الفرصة سانحة لهم في التراجع الأمريكي الغربي الواضح وعدم قدرة التحالف الدولي على إحداث التغيير المطلوب على مدار أكثر من عام.
فقد سبق هذا الاقتحام العسكري المباشر، هجوم دبلوماسي روسي في الأمم المتحدة، ولقاء بين الرئيسين الأمريكي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين، من الواضح أنه فشل في إقناع الروس بالتراجع عن خططهم التي كانت تنتظر إشارة البدء للتنفيذ. وما يعزز هذا القول أن الاقتحام الروسي لم يتأخر، إذ سرعان ما باشرت الطائرات الروسية مهامها في الميدان، وتعزز انتشار القوات الروسية بقوات خاصة وقطع من البحرية على الساحل السوري، وبدأت ملامح هذا الانتشار تتوسع إلى حدود العراق بما يعنيه ذلك من تأكيد على تداخل ساحة المعركة، مع ترحيب عراقي بالأمر، ما جعل واشنطن تسارع إلى معاقبة بغداد بالإعلان عن وقف معركة تحرير الرمادي، لكنه وفر لموسكو الإمساك بزمام المبادرة، وأربك كل الحسابات ووضع واشنطن ومعها التحالف الدولي في موقع الدفاع والتبرير، تارة بالحديث عن «كارثة محققة» للروس في سوريا واستحضار النموذج الأفغاني وما حل بالسوفييت في أفغانستان، وأخرى بإمكانية التفاهم، أو في أقل الأحوال، إجراء محادثات عسكرية معهم لتفادي الصدام، خاصة مع ازدحام الأجواء السورية بالطائرات الحربية، ما يعني، في واقع الحال، إقرار الأمريكيين ب«مشروعية» الاقتحام الروسي، أو على الأقل، عدم القدرة على عرقلته حتى الآن.
لكن كل ذلك لم يمنع موسكو من المضي قدماً في عملياتها العسكرية، ومواصلة هجومهما الدبلوماسي في آن، فأعلنت أن عملياتها العسكرية في سوريا ستستمر لعدة أشهر (3 إلى 4 شهور)، وطرحت، مشروع قرار في مجلس الأمن يقضي بمحاربة الإرهاب بموافقة الحكومة السورية لكنه ووجه برفض مبدئي من جانب الدول الغربية، وفي الوقت نفسه، دعت النظام السوري إلى الاستعداد لتسوية سياسية للصراع.
من المبكر معرفة كيفية تعامل واشنطن والتحالف الدولي مع المرحلة الثانية من التدخل الروسي، والتي سيكون لها آثار ميدانية مباشرة على الأرض، إذا صحت التقارير عن استعدادات عسكرية لهجوم بري في ريفي إدلب وحماة تحت مظلة الغارات الروسية. لكن من الواضح أن موسكو لم تأبه للانتقادات الغربية والتركية المطالبة بوقف غاراتها، تارة لعدم استهدافه تنظيم «داعش» وأخرى لاستهدافها المدنيين و«المعارضة المعتدلة»، بل دافعت عن «مشروعية» هذه الغارات وأهدافها، في تأكيد واضح على عجز الغرب واستمرار الهجوم الروسي.
وعلى الرغم من بدء استعدادات حلف شمال الأطلسي «الناتو» لمناورات هي الأضخم له منذ عشر سنوات، إلا أن الموقف الغربي برمته يلخصه كلام أوباما بأن التوتر والاختلاف في وجهات النظر سيستمر، «لكن لن نجعل من سوريا ساحة حرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا».

المصدر: الخليج