روسيا تعمل لإعادة تأهيل النظام وليس الأسد


راتب شعبو

يظهر قادة الدول الغربية اليوم في تصريحاتهم المتوالية القابلة بدور ما للأسد في مرحلة انتقالية، وكأنهم مربوطون على التسلسل. من كيري إلى ميركل إلى كاميرون إلى أولاند الذي “مغمغ” قبوله دوراً ما للأسد بقوله “فرنسا لا تستبعد أحداً”.

جميعهم يتراجعون اليوم عن تصريحات سابقة بدت أنها انسجام مع ما تمليه عليهم مبادئ الديموقراطية. جميعهم يقبلون الأسد اليوم لأنه نجح في أن لا يسقط، ولأنه قتل مئات آلاف السوريين واستطاع إذلال وتجويع الملايين. تلك هي المعادلة غير العادلة: أمعن في إجرامك تلق القبول. الحق ينبع من القوة وليس العكس. أليس هذا هو مبدأ التشبيح نفسه؟

استنفر العالم ذات يوم (عن حق) حين اغتيل الرئيس رفيق الحريري، لم يكتف العالم بالإدانات والندب، ماكينات التحقيق اشتغلت على الفور، الكلام الأمريكي الحازم جعل الجيش السوري الذي تحول إلى قوة قهر ونهب في لبنان، يخرج حتى قبل انتهاء المهلة المحددة له، ومجلس الأمن أقر إنشاء محكمة خاصة بالجريمة وخصصت الميزاينات والمقرات ..الخ.

اليوم جرائم متوالية بحق شعب كامل لا يبدو أنها تستحق كل هذا العناء، وفوق هذا يبدو الرئيس “ذو الثقافة الغربية” الذي ذهب بعيداً في قتل السوريين، مرشحاً ليس إلى حيث يلقى قصاصه العادل في “محكمة نورمبيرغ” بل إلى إعادة التأهيل كحاكم ناجح في اختبار العداء لشعبه حد الإبادة الكيماوية والقتل جوعاً في السجون أو في الأحياء المحاصرة إلى اليوم.

حين يتفاوض قادة العالم فيما بينهم لتقرير مصير سوريا (من يبقى ومن يرحل، هل تقسم سوريا أم لا تقسم وكيف تقسم)، ألا يعني هذا بداهة أنهم هم من يتحكم باستمرار طاحونة الموت هذه، وهم بالتالي القادرون على وقفها حين ينتهون من تقاسم هذه الفريسة النازفة؟

ألا يعني هذا أنهم هم من يمدّون الأطراف المتصارعة بأسباب الحياة وأن كل ما سوى ذلك لا يخرج من دائرة النفاق، من التحالف الدولي المضاد لداعش إلى وضع جبهة النصرة على لائحة الإرهاب (ألم يجتهد الجنرال بترايوس، الرئيس السابق للمخابرات المركزية الأمريكية وصاحب فكرة الصحوات في العراق، باقتراح التعاون مع المعتدلين في جبهة النصرة؟) إلى معاقبة النظام السوري؟

على خلفية التراخي الأمريكي والتبعية الأوروبية يبدو التدخل الروسي المباشر هو المؤشر الأقوى على إمكانية تنفيذ حل ما للمسألة السورية (فقط بعد التدخل الروسي قررت فرنسا التدخل بطائراتها وباستقلالية عن التحالف الأمريكي!).

أولاً من حيث إن روسيا تحوز في تدخلها على إجماع الدول النافذة المعنية بالموضوع السوري ومن ضمنها أميريكا.

وثانياً لأنها طرف مقبول دون تحفظ في وسط الموالاة، وهذا أمر مهم في إمكانية تغيير في النظام. الروس مقبولون أكثر من الإيرانيين الذين يدعمون الأسد بطريقة من يضع يده على البلاد، في حين تبدو اليد الروسية أقل وطأة.

وثالثاً لأن نظام الأسد هو من دعا إلى التدخل الروسي وهو، إذ يفتح للروس أبواب سوريا، فإنه في الوقت نفسه، يضع مصيره تحت الرحمة الروسية.

الوجود الروسي المباشر سوف يخفف من شعور الموالين بالاعتماد الكبير على نظام الأسد، ثمة قوة أخرى على الأرض، وهي “قوة عظمى” أيضاً، تتوكل حمايتهم.

إلى هذا، يحوز الرئيس بوتين بين الموالين للأسد على سمعة جيدة من حيث الحزم ومن حيث الثبات في دعم حلفائه كما فعل في أوكرانيا. وبحسب الاتفاق الاستخباراتي المفاجئ الذي أبرمته روسيا مع العراق وإيران أمس لمحاربة داعش، من المتوقع أن نرى لروسيا فاعلية عسكرية ملموسة ليس فقط ضد داعش، بل ربما أيضاً ضد جبهة النصرة. كل هذه العناصر تجعل من الروس المرشح الأفضل لتنفيذ “المصلحة العامة” في رحيل الأسد. يمكن الاعتقاد بأن الحضور الروسي المباشر هو لتغطية هذا الرحيل، وللتحكم بعملية الاستبدال المرجحة.

قال الروس سابقاً إنهم غير متمسكين بالأسد وإنهم “غير متزوجين منه” حسب تعبيرهم، والشراكة التي يقترحونها اليوم مع الأسد لا تعدوا كونها خطوة على طريق تحجيم القوى الإسلامية المناهضة للأسد، تليها خطوة إعادة تأهيل للنظام وليس لشخص الأسد. بعد ذلك تبقى مهمة تنظيف سوريا من “الإرهاب” بالتوازي مع عقود إعادة الإعمار. وإذا نجحت الخطوة الروسية في ذلك، لن يكون القبول السوري الشعبي بها قليلاً. بذلك يكون بوتين أتقن فعلياً كيف يملأ الفراغ، وكيف يكون حازماً حين يتردد الآخرون.

المصدر: هنا صوتك