في دائرة الانفعال السوري


جهاد رنتيسي

تعيد مفاعيل وتداعيات الجدل حول التصعيد العسكري الروسي في سوريا نبش المتواري من ارتباك مفردات معظم خطاب المعارضة السورية التي بدت أبعد من أي وقت مضى عن عصب تحولات الأزمة المتفاقمة منذ خمس سنوات.

انفعالات أطراف المعارضة ونمطية رؤيتها للأزمة المتفاعلة مع تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية أوصلتها إلى قراءات تختصر الخطوات الروسية المتلاحقة في أنها فعل احتلالي لا بد من مقاومته بالسلاح، بدلاً من التعامل معها باعتبارها تحولاً دراماتيكياً في مسار مر بانعطافات حادة. والواضح من هذه القراءات أنها مبنية على قناعة باستعداد موسكو لخوض حرب طويلة الأمد تؤبد بقاء حليفها بشار الأسد على سدة الحكم باعتباره خيارها الوحيد، دون اكتراث باستحالة إعادة تأهيله بعد كل ما ارتكبه بحق شعبه خلال السنوات الخمس الماضية.

غموض المواقف الغربية والمدى الذي يمكن أن تصل إليه فيما يتعلق بمصير الأسد، ساهم في خلط أوراق المعارضة الذي ظهر واضحاً في إسقاطها بعض ملابسات التصعيد الروسي وتجاهلها ضوابط المصالح والحسابات التي تحكم سياسات الأطراف الفاعلة في تحولات المشهد الكوني.

لا يخلو الأمر من أثر للتكتيكات الروسية، حيث عملت موسكو وهي تكثف حضورها العسكري في مناطق سيطرة النظام السوري على إبقاء القنوات مفتوحة مع الأطراف الإقليمية المؤثرة في المشهد، ليبقى الباب موارباً أمام تفاهمات حول حل سياسي مختلف على تفاصيله.
بعض اختلالات خطاب المعارضة يظهر في التقليل من أهمية احتمالات المقايضات المدفوعة بطموح روسي للتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية التي تمخضت عن الأزمة الأوكرانية ورغبة في توسيع هوامش النفوذ في المنطقة علاوة على حاجة موسكو لتحجيم خطر ظاهرة المتطرفين الروس الذين يقاتلون في سوريا.

إقحام النموذج الأفغاني في الانتقادات الموجهة للتصعيد الروسي أضعف حجة المعارضين السوريين، حيث ارتبطت تلك المرحلة في ذهنية أجيال من المتابعين بالتوظيف الأمريكي لظاهرة “المجاهدين العرب” الذين قاتلوا السوفييت في نهايات الحرب الباردة، مما يجدد الشكوك في نوايا واشنطن تجاه ظاهرة التطرف الأصولي.

تأخذ ثغرات خطاب المعارضة مداها في الاتساع لتتحول إلى فجوات يسهل العبور منها إلى خيبات أمل جديدة مع تراجع أولويات مواجهة نفوذ تنويعات السلفية الجهادية واحتمالات التقسيم التي تتسع مع تأخر حل الأزمة وتسارع دوامة الموت واللجوء.

حساسية القضية السورية في المرحلة الراهنة تملي على المعارضة المعتدلة مغادرة دائرة “التمثيل الدكاكيني” لإرادة الشعب السوري وتجاوز ذهنية مناشدات رفع العتب، كما يتطلب الاستعداد لعبور المنعطف الذي وصلت إليه الأزمة إحداث قطيعة مع أساليب العمل المتبعة في السنوات الماضية، وإعادة ترميم الخطاب السياسي التي تبدأ بعمليات عصف ذهني وجرد لحسابات الربح والخسارة وترتيب الأولويات على ضوء تطورات المواقف التي أعقبت التدخل العسكري الروسي، وتمر بالانخراط في اشتباك سياسي يساهم في بلورة “النظام البديل” ويساعد على تجنب المزيد من التهميش والعزلة ويعزز المكاسب في أية تسوية مقبلة.

المصدر:

http://24.ae/article/190971/%D9%81%D9%8A-%D8%AF%D8%A7%D8%A6%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D9%81%D8%B9%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A.aspx