لماذا يتقلص الجيش الحر فيما تتمدد داعش والنصرة؟ ومن المسؤول عن ذلك؟


150خاص – ميكروسيريا

الإسلاميون وطريقة إدارتهم للدولة والمجتمع، عنوان عريض تصدر مخاوف الكثير من الدبلوماسيات العالمية، وخاصة عند الحديث عن انتقال اجتماعي، أتت به التغيرات الاجتماعية أيا كان شكلها في بلد ما، وفي سوريا أخذ هذا العنوان حقه في الاستقطابات الدولية التي تتنازع حول البلاد، فاستخدم تارة كذريعة لإبعاد شبح سيطرتهم عن السلطة مايعني ضمناً تثبيت حكم نظام الأسد وتصويره كحام للأقليات، وتارة أخرى جرى استخدامه كهدف من دبلوماسيات أخرى راحت تدعم القوى الإسلامية في سورية كقوى حليفة باسم الدين، وفي مرات أخرى جرى استخدام الإسلاميين من قبل النظام نفسه لإسقاط الثورة باستخدام فزاعة الإسلاميين، بعد أن عمل على بنائها لعقود طويلة بعيد أحداث حماه عام 1982.

وكثيراً مايختلط الحديث عن الحكم الإسلامي كتيار سياسي يمزج بين الدين وإدارة البلاد، بالحديث عن التنظيمات الجهادية المتطرفة التي تستخدم ذات العقيدة وإن بصور أكثر تشدداً في إدارة شؤون الناس بعد أن يجري تحويلهم إلى رعايا، رغم الفارق الكبير بين التيارين.

في سوريا كان لحركة الإخوان المسلمين حضور محدود، جراء منع الحركة من العمل تاريخياً من قبل نظام البعث وملاحقة قيادتها طول سنوات حكم الأسد الأب، ولم تشهد الحركة انفتاحاً حقيقياً على المجتمع السوري إلا بعيد انطلاق الثورة في العام 2011،ودخولها كمكون أساسي من مكونات المعارضة السياسية والعسكرية، وذلك عائد بصورة من الصور إلى طبيعة الثورة والتغيرات التي أدخلتها على الحراك السساسي أكثر من كونه عائد على تطورات أصابت عمل الجماعة نفسه، بعكس التنظيمات الجهادية المتطرفة التي دخلت الساحة السورية، وبات صداها يكبر شيئاً فشيئاً حتى صارت القوة الموازية للنظام، وباتت الفصائل الثورية المدافعة عن الثورة بين فكي كماشة النظام، وداعش والنصرة.

ولئن كان دخول حركة الإخوان المسلمين، التيار الإسلامي السياسي السوري الأبرز، ميدان العمل السياسي من باب الثورة، بعد انقطاع طويل، أحدث في الجماعة شرهاً كبيراً للوصول إلى السلطة بأي ثمن، من باب الأحقية التاريخية، والمظلومية التي طالتهم لعقود طويلة، فإن هذا الدخول السريع كان له أثر واضح في وضع الخطوات الأولى لانحراف الثورة عن مسارها، لعوامل عدة ليس أبرزها ثقة بعض الداعمين بالجماعة كتيار سياسي منظم عمل في الخفاء طيلة ربع قرن من الزمن، ما جعل بالحركة تبذل جهوداً استثنائية لإقناع الداعمين بأحقيتها، فراحت تحرك قسماً من الشارع باسمها، وتلبس الثورة لبوساً إسلامياً شاهده السوريون في شعاراتها وراياتها، ما خلق تمهيداً حقيقياً بإضفاء أسلمة الثورة على كل الانتفاضة الشعبية، وهو مايعد بحق أول مسمار في نعش الحراك المدني، أفسح لاحقاً المجال واسعاً لتوافد التنظيمات الجهادية إلى سوريا بحجة نصرة المسلمين.

لاحقاً تطورت هذه التنظيمات وازدهرت قوتها، وكان لذلك مايبرره وتتقاطع فيه مصالح الكثرين، فالنظام أولاً كان أكثر المستفيدين من تمدد داعش ومثيبلاتها كونه استطاع أن يقسم آراء العالم ويضلل الكثير من قيادته مستخدماً الحرب على الإرهاب ذريعة لقمع الثورة، ومحاولاً ان يحشد العالم ويعبئه في سبيل ذلك، من خلال سياسة خلط الأوراق وقلب الحقائق، بل أن النظام أسهم بشكل من الأشكال في تقوية هذه التنظيمات ودعمها، فقليلاً ماكان يطلق نيرانه على مواقعها، في وقت كان يدك فيه مواقع فصائل الجيش الحر يومياً، وهو ذات الشيء الذي قابلته به هذه التنظيمات إذ تحاشت قواته في كثير من الأحيان، وفي أحيان أخرى كانت المعارك تبدو وكأنها بتنسيق مشترك بين قوات النظام والفصائل الجهادية المتطرفة، لمحاصرة فصيل من فصائل قوات الجيش الحر، ناهيك عن أن بعض قيادات التنظيمات تربت في سجون النظام وكان لها باع طويل مع إجرامه ثم هجرته في ليلة وضحاها بعيد انطلاق الثورة.

وتتفق في سياسات النظام هذه سياسات دولية هزيلة مترددة يلاحقها شبح داعش، راحت تسوق للحرب على الإرهاب، وتبني له أحلافاً متناسية أبرز مسبباته المتمثلة بالنظام، فالولايات المتحدة حشدت تأييداً واسعاً، لإطلاق تحالف دولي لمحاربة التنظيمات الجهادية في سورية والعراق، ورغم محدودية النتائج التي تصل إليها هذه العمليات العسكرية للتحالف، إلأ أنها أسهمت بشكل من الأشكال في تقوية صورة النظام وإطالة أمد حكمه، خوفاً من سقوط مفاجىء يفسح لهذه التنظيمات الوصول إلى السلطة وهو ماأضعف فصائل الجيش الحر بالضرورة.

ولعب المال السياسي دوراً كبيراً في تطور عمل التنظيمات الجهادية، على حساب الفصائل العسكرية المقاتلة في سوريا تحت راية الجيش الحر، إذ أسهم الدعم اللامحدود الذي يتلقاه تنظيم داعش وفصائل أخرى مشابهة، في خلق حالة من الاستقرار لدى مقاتليها، رافقه تطور في السلاح ونوعيته، على حساب منع السلاح عن الجيش الحر، والتحكم بالإمدادات التي تتلقاها فصائله، ودخول بعض الفصائل في صراعات هامشية ثانوية فيما بينها، مقارنة مع التدريب العسكري الكبير لمقاتلي التنظيمات الجهادية، كون أن مختلف مقاتليها يقاتلون بعقيدة جهادية، ويمتلكون الروح القتالية الانتحارية، ناهيك عن إحساس العديد من عناصر الجيش الحر باليأس الذي راح يتعمق يوماً بعد اليوم بسبب من تآمر الجميع على الثورة، جعلهم يجدون في أحضان هذه التنظيمات الخلاص بعد أن سد عليهم النظام أولاً والداعم ثانياً الطريق، ما أسهم بالضرورة في تقوية هذه الفصائل المتطرفة على حساب فصائل الجيش الحر.

وبين هذا وذاك فإن الإدارة السياسية والعسكرية للثورة، لعبت دوراً كبيراً في تكريس الفرقة بين فصائل الجيش الحر خاصة، وأدى السعي إلى المصالح الحزبية الضيقة، وغياب الهوية الوطنية الجامعة، التي لم تفلح المعارضة في تبنيها في إضعاف الجيش الحر، وعدم قدرتها على امتلاك زمام المبادرة، وبالتالي قدرة ذراعها العسكري، كل ذلك كان يحتسب في ميزان خسائر الثورة، وأرباح النظام والتنظيمات المتطرفة.