التدخل الروسي يدفع الحل السياسي إلى البعيد


مدار اليوم – فايز سارة

يمثل التدخل الروسي الأخير في القضية السورية، متخذاً من مكافحة إرهاب “داعش” شعاراً، تحولاً نوعياً في مسارات الصراع في سوريا من خلال أمرين اثنين؛ أولهما دخول دولة كبرى ميدان الصراع المباشر بما تملكه من قدرات وإمكانات هائلة، والثاني تغيير ميزاني القوى السياسي والعسكري وتوابعهما على الأرض، الأبرز فيها دخول القضية السورية دورة جديدة من الصراع العسكري والعنف، وبالتالي الابتعاد عن فرص عبر تعزيز قوة تحالف النظام مع إيران وميليشياتها. وسوف تترتب على هذا التدخل نتائج وتداعيات لعل الحل السياسي، ولعل التعبير الأقرب عن ذلك، ما أصاب خطة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، التي لا شك أنها دخلت في المجهول بعد التدخل الروسي رغم محدودية توقعات قدراتها في موضوع الحل السياسي. إن الأهم في تأثيرات التدخل الروسي في موضوع الحل السياسي للقضية السورية، أنه عزز موقف نظام الأسد استناداً إلى القوة الجديدة، التي تمثلها روسيا في رفض فكرة الحل السياسي، وفق ما قاله الأسد في خطابه الأخير الذي استبعد فيه هذا الخيار، وأصر على وجوده في مستقبل سوريا، وكلتاهما فكرة مرفوضة من جانب أكثرية المجتمع الدولي، كما هو حال موقف أغلبية السوريين الرافضين لفكرة الحل العسكري، وفكرة وجود الأسد في مستقبل سوريا. والأمر الثاني في تأثيرات التدخل الروسي على الحل السياسي، أنه دفع قوى المعارضة السورية وخاصة الائتلاف الوطني لاتخاذ موقف متشدد من السياسة الروسية، بعد أن كانت هذه القوى تقاربت إلى حد ما مع الموقف الروسي، وسعت إلى تفهمه في إطار مساعي الحل، وهو ما عبرت عنه اللقاءات الأخيرة في موسكو بين قيادات معارضة بينها قيادة الائتلاف الوطني، والمسؤولين الروس. ولعل الأهم في هذا الجانب، أن التدخل الروسي أثر سلبياً على موقف القوى العسكرية في المعارضة السورية الموصوفة بالمعتدلة، ليس فقط لجهة استهدافها باعتبارها “جماعات متطرفة”، بل لأنه أغلق نافذة تحولها إلى قوى مؤيدة للحل السياسي وداعمة له، وهو أمر أخذ بالتنامي في الفترة الأخيرة من خلال ما ظهر في مواقفها، كما في تعزيز علاقة أكثريتها مع المعارضة السياسية وخاصة الائتلاف الوطني الذي انخرط في تسوية سياسية عملًيا منذ مشاركته في مؤتمر جنيف 2014. الأمر الثالث، أن التدخل الروسي لجم المساعي الدولية والإقليمية الساعية للحل السياسي، وبدل من اهتماماتها، بنقلها من الاهتمام بالحل، إلى التركيز في موضوع التدخل وأهدافه وتداعياته، بل إنه عمق الانقسام في الموقف من الصراع في سوريا، بأن مهد لدخول قوى جديدة ميدان الصراع العسكري بعد إعلان عدة دول إمكانية المشاركة إلى جانب الروس في التدخل في سوريا، والأهم هو إعلان تشكيل غرفة عمليات عسكرية واستخبارية في بغداد، تضم روسيا وإيران والعراق ونظام الأسد، هدفها تعزيز العمل المشترك للأطراف الأربعة، ومن يمكن أن ينضم إليهم في وقت لاحق. والأمر الرابع في دفع الحل السياسي إلى البعيد نتيجة التدخل الروسي، هو أن التدخل بحاجة إلى وقت لإعادة صياغة مواقف أطراف الصراع، ليس في المستوى الداخلي فحسب، إنما أيضاً لجهة أطراف الصراع الإقليمية والدولية المتدخلة في الشأن السوري، مما سيؤدي إلى جولة وربما جولات في الصراع العسكري بين القوى والأطراف لرسم ميزان قوى جديد، يأخذ فيه المنتصرون، أو الأقوى، حصة أكبر في الحل السياسي الذي لا شك أنه سيكون نتيجة وزن كل منهم على الأرض من الناحيتين العسكرية والسياسية. إن الأطراف الأكثر استفادة من التدخل الروسي، ودفع الحل السياسي إلى البعيد، هم الأطراف الأكثر تطرًفا وتشدًدا وإرهاًبا، وفي مقدمة هؤلاء نظام الأسد ثم جماعات التطرف وفي مقدمتها «داعش» وأخواته ولا سيما «جبهة النصرة»، وكله سيتم على حساب الشعب السوري الذي سوف تزداد خسائره ومعاناته وآلامه، كما ستدفع دول الجوار السوري ثمًنا متزايًدا لتداعيات عنف المرحلة المقبلة في سوريا، بتحمل مزيد من اللاجئين السوريين مع احتمال اختلالات أمنية وسياسية فيها، وكلها ستكون حاضرة ومؤثرة في أوروبا، التي لن تكون بعيدة عن تلك التداعيات بوصول مزيد من اللاجئين السوريين إليها مع اختلالات أمنية وسياسية.

نشرت بالتزامن مع الشرق الأوسط