الحرب الكونية على سوريا: حتى أنت يا ‘بينغ’


عديد نصار

بات تنظيم داعش الشماعة التي يستخدمها كل ذي طموح إمبريالي للتدخل عسكريا، مباشرة أو بالواسطة، في سوريا. هذا التنظيم الدموي الذي أطلق ليكون لغما في خندق الثورة السورية وكل ثورة، ومبررا لشطبها من أجندات الشعوب، والذي لا يمتلك من السلاح إلا ما يتيح له خدمة هذا الهدف، يصور على أنه بات عصيا على قوى تبسط سيطرتها على الأجواء وتمتلك من السلاح ما يمكنها من تدمير الكوكب الأرضي.

بعد التحالف الدولي لمحاربة داعش، وبعد الحرب الذي يشنها النظام الإيراني وحزب الله إلى جانب النظام الأسدي على الشعب السوري بحجة داعش، جاء التدخل الروسي ليعلق على ذات الشماعة تدخله عبر إنشاء قواعد جوية إلى جانب قاعدته البحرية في طرطوس، وليبدأ شن غارات جوية كثيفة على مواقع المعارضة السورية المسلحة في المناطق التي طهّرها الجيش الحر من داعش، في حمص وإدلب وريف اللاذقية، وليوقع العديد من الإصابات في صفوف المدنيين.

في هذا السياق، أجمعت مصادر متطابقة على قرب مشاركة الصين عسكريا في الحرب على سوريا، جنبا إلى جنب مع القوات الجوية الروسية التي بدأت هجماتها الجوية منذ أيام على مناطق سيطرة المعارضة السورية في حمص وإدلب وريف اللاذقية.

فرغم تصريحات وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، في اجتماع لمجلس الأمن، بعدم تدخل بلاده في سوريا “بشكل تعسفي”، مكررا الدعوة إلى حل سياسي، قالت مصادر لبنانية قريبة من النظام الأسدي وحزب الله، إن مقاتلات صينية “ستشارك روسيا في شن غارات على سوريا في غضون أيام”.

وكان نقل عن عضو مجلس الاتحاد الروسي إيغور موروزوف أن بكين اتخذت قرار المشاركة في محاربة داعش وأنها أرسلت سفنها إلى الساحل السوري لهذا الغرض. وإذا صحت التقارير الصحفية التي تناولت الخبر، فإن الصين بذلك تكون قد نقضت مواقفها المعلنة تكرارا والتي رفضت أي تدخل عسكري في سوريا، كما ستكون المرة الأولى التي تشارك فيها الصين بعمل عسكري بعيدا عن أراضيها. والملاحظ أن الصين لم تتخذ أي موقف من التدخل العسكري المباشر للاتحاد الروسي في سوريا حتى تاريخه.

إذا كانت الدوافع التي زجت بالقوات الروسية، وبالأخص تراجع قدرة النظام على الصمود وكذلك تراجع قدرة حلفائه الإيرانيين والميليشيات التابعة وفي مقدمها حزب الله على حماية سيطرة هذا النظام على المناطق الحيوية بالنسبة إليه، إضافة إلى الأهداف الإمبريالية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، معروفة، فما هي الدوافع التي تجعل التدخل العسكري الصيني إلى جانب الروس والنظام الأسدي أمرا ممكنا؟

يقول ليونيد كروتاكوف الخبير الروسي، في مقابلة مع الموقع الروسي “برافدا رو”، إن النزاع الأكثر خطورة حاليا هو بين الصين وأميركا، وأن تغيير النظام العالمي يتوقف على الانحياز الروسي إلى هذا الطرف أو ذاك.

ومعلوم أن الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة قد بدأت بتقليص تواجدها في الشرق الأوسط والاتجاه بقواتها إلى الشرق الأقصى، بدءا من الانسحاب العسكري من العراق ثم أفغانستان، وعدم الزج بقواتها في ليبيا أو في سوريا، عبر توجه إستراتيجي جديد يرى أن الخطر القادم على هيمنتها على العالم يكمن في الصين. وقد بدأت فعلا في التحضير طويل المدى لعملية الحصار الإستراتيجي للصين بنقل قواتها باتجاه المحيط الهادي. وقد يكون الاتفاق النووي التي بذلت من أجله الكثير من الجهد والوقت والدبلوماسية مع إيران مقدمة لاستقطابها في إطار هذه الإستراتيجية، كما يرى بعض المتابعين أن تخلي الولايات المتحدة عن سوريا و”بيعها” للروس يصب في خدمة التوجه الإستراتيجي نفسه، أي في محاولة استدراج روسيا إلى الحلبة الأميركية كمقدمة للتعاون المشترك لحصار الصين في مرحلة قادمة.

من هنا يمكن أن نستنتج أن تدخل الصين إلى جانب روسيا في الحرب الدائرة على سوريا، أو حتى تغاضيها عن التدخل العسكري الروسي المباشر هناك، ليس إلا دفعة على الحساب في إطار إستراتيجية صينية معاكسة يرجى منها أن تجعل من المستبعد أن ينخرط الروس في الإستراتيجية الأميركية لحصار الصين.

المصدر: العرب