“دعشنة” السوريين ونموذج المالكي


منار رشواني

عد عشرة أيام على بدء التدخل العسكري الروسي المباشر والعلني في سورية، يبدو التقدم الحقيقي الوحيد على الأرض -حتى مساء أمس- من إنجاز تنظيم “داعش” في ريف حلب، ضد فصائل المعارضة السورية. وهو ما يعد نتيجة طبيعية تماماً للقصف الجوي الروسي الذي بات بدهياً أنه يستهدف فصائل المعارضة أساساً، مع تجنب “داعش” بشكل شبه تام. بل إن تقوية التنظيم تبدو هدفاً بحد ذاتها، كما كان الأمر منذ ظهوره على الأرض السورية، للعودة روسياً وإيرانياً إلى تسويق أن الخيار في سورية هو بين بشار الأسد أو “داعش”.
وهذه النتيجة قد تبدو كافية بحد ذاتها، وفق منطق أصحاب نظرية المؤامرة المؤيدين للأسد وروسيا (وإيران) ذاتهم، للقول بأن هناك مؤامرة روسية-“داعشية”، تماماً على نحو ما يتحدثون عن مؤامرة أميركية-“داعشية” استناداً إلى احتفاظ التنظيم بقوته، بل وتمدده في العراق وسورية، رغم قصف التحالف الدولي.
لكن المعضلة الأهم التي تواجه أنصار الأسد هي في تفسير وتبرير هدفهم الوحيد في سورية اليوم، أي جعل الخيار بين الأسد أو “داعش”. فإذا كان “داعش” مؤامرة كونية، فيكون بدهياً جداً أنه لن يتغير الدعم الكوني للتنظيم مع تحقيق خيار “الأسد أو داعش”؛ بل يُفترض أن يكون نجاح هذا السيناريو/ المطلب خبراً سيئاً جداً لأنصار الأسد، لأنه يعني، تلقائياً، توحيد خصوم الأخير في تنظيم واحد، بدل التشتت الحالي، ومعه توحيد الدعم والتمويل والقيادة!
أما بخلاف ذلك، كما يُفهم صراحة من هدف “الأسد أو داعش” -أي إن المجتمع الدولي، وضمنه “المتآمرون” الغربيون ذاتهم، سيدعمون الأسد في حال الوصول إلى هذه النتيجة المرغوبة- فإنه سيكون على مؤيدي الأسد الإقرار بكذبهم طوال الفترة الماضية بشأن المؤامرة “الداعشية” الغربية-التركية-الخليجية على ما يسمى “المقاومة والممانعة”؛ يكفي دليلاً أن أركان المؤامرة الأكثر تأثيراً –ومعهم تلقائياً حلفاؤهم الإقليميون- قد اختاروا إرهاب الأسد “الوطني في جرائمه” بدلا من إرهاب داعش “العابر بجرائمه للحدود”.
طبعاً، هنا سيقال حتماً في تبرير تحالف “الممانعة والمقاومة” مع الإمبريالية والصهيونية، أن “السحر انقلب على الساحر”؛ بمعنى أن الأسد الذي يُسيطر على خُمس سورية هو من انتصر. لكن لقبول هكذا “نصر!”، يجب حذف الحقيقة الأولى الأهم في تاريخ “داعش” القصير، وهي أن التنظيم، كما لا يستطيع أي عاقل إنكار ذلك، نشأ في عراق نوري المالكي، بسبب سياساته المدعومة إيرانياً والقائمة على اعتبار السُنّة العراقيين جميعاً “قاعدة”، يستحقون التهميش والإقصاء والتهجير والقتل، فكان أن خلق البيئة الأمثل للوجه الأبشع من “القاعدة”، وهو “داعش”. فالأصح أن السحر انقلب على المالكي وإيران، إلا إذا كانت هذه الأخيرة هي مسؤولة عن صناعة التنظيم، بحسب نظرية المؤامرة! لاسيما وأنها الوحيدة المستثناة حتى الآن من جرائمه، وتفشل أكثر من الأميركيين -إن كانت جادة في المحاولة- في التصدي للتنظيم في العراق وسورية!
والتذكير بهذه الحقيقة مهم مع تبني روسيا، بعد إيران، “دعشنة” السوريين المعارضين لنظام الأسد جميعاً، ومطالبة العالم أن يحذو حذوهما؛ أي تبني نموذج المالكي في العراق الذي أدى إلى ظهور “داعش” فعلاً. والأخطر هنا ليس ظهور ما هو أبشع من “داعش”، بل توسع التنظيم خارج حدوده الحالية. وهو أمر قد لا يعني روسيا، ويسعد إيران، لكنه يعني ويهدد الدول العربية التي يرى أبناؤها احتلالات من كل حدب وصوب، تنسق وتتحالف سراً وعلانية، بما في ذلك مع الاحتلال الإسرائيلي الذي كانت مواجهته التي لم تأت أبداً، مبررا لقتل العرب على يد الاستبداد طوال عقود.

المصدر: الغد