روسيا والحقائق الواقعية في سوريا


ديفيد أغناتيوس

كان الدور الروسي الموسع بمنطقة الشرق الأوسط، ظاهًرا للعيان منذ شهور. وكانت إدارة أوباما، المتلهفة للمساعدات الدبلوماسية الروسية، هي الداعي الرئيسي لذلك الدور الذي تلعبه روسيا الآن. وبعد انتشار المقاتلات والدبابات الروسية في سوريا، فإن ذلك التدخل العسكري لا يبدو حميًدا بحال. «تلك هي الحقائق على أرض الواقع»، كما قال جون ماكلولين، النائب السابق لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، خلال مقابلة أجريت معه حول الانتشار العسكري الروسي الأخير، حيث أضاف: «كل ما سوف نفعله من الآن فصاعًدا يخضع بالضرورة لوجودهم ونفوذهم في المنطقة». بالنسبة للمسؤولين الأميركيين، يعتبر التدخل الروسي لنزع فتيل الفوضى السورية العارمة، من قبيل النتائج الفرعية للاتفاق النووي الإيراني. ففي جلسة المفاوضات الأخيرة في فيينا، توجه سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، إلى رفاقه في دول مجموعة «1+5»، مقترًحا نوًعا مماثلاً من التعاون المشترك حيال تسوية النزاعات الأخرى المشتعلة في الشرق الأوسط. حدا الرئيس أوباما ووزير خارجيته كيري الكثير من الأمل للعمل والتعاون مع الجانب الروسي حول عملية «انتقال منظمة» بعيًدا عن الرئيس السوري الضعيف بشار الأسد. ولقد صرح الرئيس باراك أوباما للصحافيين في البيت الأبيض بتاريخ 5 أغسطس (آب)، قائلاً: «أعتقد أن هناك منفًذا لدينا للوصول إلى تسوية سياسية في سوريا، في جزء منه بسبب روسيا وإيران». في ذلك الوقت، بدا حلفاء تقليديون للولايات المتحدة حريصين على اللعب بالورقة الروسية على الأرض. فلقد سافر الأمير محمد بن سلمان ولي ولي عهد المملكة العربية السعودية إلى موسكو، وكذلك غادر إليها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي. كما تقابل عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، مع كل منجون كيري وسيرغي لافروف في قطر. ولكن نذير الشؤم لما يبدو لائًحا في الأفق جاء مع زيارة الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، إلى موسكو. ولكن على خلاف ذلك، بدا الأمر حتى قبل أسبوع من الآن وكأنها رحلات دبلوماسية اعتيادية. من جهته أخفق أوباما وحلفاؤه في توقع مجيء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مسلًحا إلى طاولة المفاوضات، ومستعد لاستخدام أسلحته لاكتساب المزيد من النفوذ العسكري في المنطقة. فقد جسد بوتين دبلوماسية استعراض القوة التي تخلت عنها الولايات المتحدة قبل ثلاث سنوات من المحاولات غير الجادة لتدريب وتجهيز قوات المعارضة السورية. وترك فشل أوباما في تشكيل استراتيجية جادة ومتماسكة المجال مفتوًحا أمام بوتين للتدخل وبقوة. كذلك وجه مصدر مقرب من الأسد انتقادات لاذعة لما وصفه بسوء الفهم الأميركي المزمن للأزمة السورية. تعمل بها الاستخبارات الأميركية. فلم يكن المسؤولون الأميركيون قبل أسابيع يتوقعون فقط أن الروس حيث كتب يقول في رسالة وصلت بالبريد الإلكتروني: «إن الفضيحة تكمن في عدم الكفاءة المذهلة التي سوف يتخلون عن الأسد، ولكن الاستخبارات الأميركية لم تتمكن حتى من تسجيل ما كان يفعله الروس على الأرض، من حيث الاستعدادات اللوجستية، والفنية، والعسكرية في سوريا». وعلى الرغم من مزاعم بوتين من أن التدخل الروسي في سوريا هو لمحاربة «داعش»، فإن الأهداف التي تعاملت معها المقاتلات الروسية حتى الآن تقتصر على مواقع المعارضين لنظام الأسد الذين كانوا يحرزون تقدًما على الأرض في حماة وحمص بغرب سوريا، مماُيشكل تهديًدا مباشًرا على مدينة اللاذقية الساحلية. أجل، قد يعترض كثير من المسؤولين الأميركيين على ذلك، ولكنهم في الوقت ذاته في حالة «فصل» للعمليات العسكرية مع الجانب الروسي، مما يعتبره كثير من السوريين من قبيل التعاون غير المباشر. يمكن للقوات الجوية الروسية توفير الدعم المطلوب للأسد ولكن بصفة مؤقتة، ولكن الروس يلعبون هناك لعبة جد خطيرة من حيث دعم الرئيس السوري المنبوذ من قبل المسلمين في كل أنحاء العالم العربي. ولقد جاء تحذير حاد بهذا المعنى على لسان الجنرال عصام الريس المتحدث باسم الثوار السوريين إذ قال: «إن أية قوة تقف بجانب الأسد في قتل الشعب السوري هي عدو للشعب السوري بأسره». ومع انطلاق القوات الروسية إلى الحرب في سوريا، بعد مرور 36 عاًما على غزوها سيئ السمعة لأفغانستان، قد يتصور بوتين أنه بذلك يتخلص من آخر أشباح الحقبة السوفياتية القديمة. ولكنه قد يعيد النظر في دراسة خرجت في عام 1991 بشأن الدروس المستفادة من حرب أفغانستان، كانت قد أعدتها أكاديمية فرونز العسكرية الروسية وترجمت إلى اللغة الإنجليزية وكانت بعنوان «الدب الذي اعتلى قمة الجبل». وأفادت الدراسة بأن الروس «لم يتفهموا الدافع وراء تجنيد أبنائهم للقتال في أراض غريبة». قد يكون أوباما قد أخطأ تقدير مخاطر التدخل العسكري الروسي في سوريا. ولكن الشيء نفسه قد يكون صحيحاً أيضاً بالنسبة لبوتين.

المصدر الشرق: الأوسط