موسكو والرياض.. ليس بعد


فهد الخيطان

التطور الأهم في المشهد السوري خلال اليومين الماضيين، لم يكن عسكريا بل سياسيا، وتمثل باللقاء المفاجئ بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
هل كان لقاء لاحتواء التوتر المتصاعد بين البلدين بعد التدخل العسكري الروسي إلى جانب الأسد في سورية، أم محاولة للذهاب أبعد من ذلك؟
بوتين بدأ بالاستدراك بعد أيام من القصف الجوي العنيف لمواقع الجماعات المسلحة في سورية؛ لا تراجع عن دعم الأسد، والضربات مستمرة إلى أن يتمكن الجيش السوري من تحقيق تقدم ميداني على الأرض. لكن ذلك لا يكفي لضمان الوضع مستقبلا؛ لا بد من مسار سياسي مواز للجهد العسكري. هذا ما ألمح إليه بوتين في الأيام الأخيرة.
يمكن القول إن اللقاء خفض من حدة التوتر بين البلدين. تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير توحي بذلك. الجبير الذي جدد التأكيد على موقف بلاده من الأسد، قال للصحفيين إن السعودية ستواصل العمل مع روسيا من أجل الحفاظ على وحدة سورية. موسكو بدورها أعربت عن تفهمها لقلق السعودية من التدخل العسكري الروسي في سورية.
ثمة “خط أحمر” يحاول الطرفان أن لا يتخطياه. السعودية باتت على قناعة بأنه لا يمكن القفز عن الدور الروسي في سورية، مهما بدا هذا الدور مستفزا لثوابتها. وموسكو تبدي واقعية أكبر حيال مصالح السعودية ودورها في سورية، وتدرك أن تسوية الأزمة غير ممكنة من دون السعودية، حتى مع انشغال الأخيرة في اليمن.
موسكو، ومنذ شرعت “السوخوي” بالقصف في سورية، سارعت إلى تنسيق عملياتي مع “اللاعبين في الأجواء السورية”؛ الولايات المتحدة وإسرائيل. وشكلت لهذه الغاية لجان تنسيق عسكرية. السعودية ليست فاعلا جويا هناك، لكنها حاضرة على الأرض عبر تشكيلات المعارضة المسلحة. وقد أبدت النية لتزويد الفصائل الموالية لها بالسلاح النوعي لمواجهة التدخل الروسي. وفي وقت لاحق، أطلق علماء دين من المحسوبين عليها الدعوة للجهاد في سورية، واستعادوا في بيانهم بريق أفغانستان والجهاد ضد الغزو السوفيتي هناك.
وربما يكون هدف بوتين من لقاء سوتشي احتواء الاندفاعة السعودية، لضمان نجاح المهمة الروسية في سورية. لكن إقناع السعودية بالتروي لن يكون بلا ثمن مقابل.
هل يكفي القول إن موسكو تضمن دورا للسعودية في مستقبل سورية، كي تتراجع الرياض عن خطط دعم المعارضة عسكريا؟
لم يشر البيان المشترك ولا التصريحات الصحفية بعد لقاء سوتشي، إلى شيء من هذا القبيل. وليس متوقعا أن يخرج للعلن تفاهم بهذه الحساسية، حتى وإن توصل له الطرفان.
لكن أهمية لقاء بوتين ومحمد بن سلمان، تبقى في كونها محاولة من الطرفين للبحث عن مساحة مشتركة في سورية، رغم التباعد في المواقف السياسية، ووسط هدير الطائرات الروسية التي تضرب على مدار اليوم في سورية.
في السياسة، عندما تدرك الأطراف المتصارعة قواعد اللعبة، يصبح بالإمكان التوصل إلى تسويات. هل أدرك الروس والسعوديون ذلك؟ ليس بعد.

المصدر: الغد