التدخل الروسي.. مصالح وحلول

15 تشرين الأول (أكتوبر)، 2015
5 minutes

باسكال بوينفاس

ثمة – من دون شك – ازدياد للوجود العسكري الروسي في سوريا، لكن يبدو أن معظم الضربات الأولى التي نفذها الروس هناك تصب في صالح نظام بشار الأسد، ولا تستهدف تنظيم «داعش» فحسب. ومع ذلك، فتلك الضربات ليست كافية لإنقاذ الرئيس السوري، كما أنها ليست أول إشارة ضعيفة إلى حرب عالمية ثالثة، مثلما يزعم البعض مستشهداً بالتعارض بين روسيا والولايات المتحدة، وذلك لأن أياً من القوى الخارجية ليس لديها الرغبة للتدخل في النزاع السوري، رغم سقوط 250 ألف قتيل ونزوح نصف السكان السوريين.

بيد أن الموقف الروسي غير قابل للاستمرار على المدى الطويل؛ فالحفاظ على بشار الأسد في السلطة، إنْ تأتى، لن يكون إلا على جزء صغير من البلاد، والدعم الروسي سيصبح مكلفاً وباهظاً في وقت تواجه فيه موسكو احتياجات داخلية اقتصادية هامة بينما تتراجع مواردها نتيجة انخفاض أسعار النفط والعقوبات الغربية. صحيح أن موسكو تستطيع عرقلة الوضع لبعض الوقت في إطار المناورة الإستراتيجية، غير أن الروس لا يرغبون في التورط في مستنقع جديد شبيه بأفغانستان أو الشيشان، لذلك فإن تدخلهم لن يكون عميقاً، لكنه حتى وإنْ كان محدوداً، فهو كافٍ لجذب المقاتلين الأجانب المؤيدين لـ«داعش»، ولن يسمح للأسد ببسط سلطته مجدداً على كامل البلاد.

والحق أن الموقف الفرنسي الداعي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية مع عناصر من النظام، لكن من دون الأسد، وأعضاء من المعارضة المعتدلة باستثناء التنظيمات الإرهابية، معقول ومنطقي. غير أنه لا أحد يمتلك الوسائل لتطبيقه في المدى القريب.. أما الضربات الجوية التي شاركت فيها فرنسا، فالقصد منها هو التذكير بانخراطها في الملف السوري، وليس تغيير الوضع القائم أو القضاء على «داعش». وإذا كان بعض مسؤولي المعارضة يقترحون تدخلًا برياً، فمن الصعب تخيل البلدان التي يمكن أن تشارك مع فرنسا في ذلك التدخل. وعلاوة على ذلك، فإن فرنسا لا يمكنها المشاركة في عملية عسكرية كبيرة دون تفويض من مجلس الأمن الدولي، وهو شيء يتنافى مع دورها كعضو دائم في المجلس. وحتى في حال أمكن دحر «داعش»، فإن التحدي الكبير سيتمثل في الحفاظ على الأراضي المحررة. كما ينبغي التنويه هنا إلى أن تدخلًا من هذا النوع هو بالضبط ما يتمناه «داعش» من أجل نصب فخ للغرب. فهل نسينا السابقتين الأفغانية والعراقية؟

إن الاعتقاد بأن تدخلا عسكرياً غربياً في هذه المنطقة يمكن أن يحل مشاكل سياسية من دون صعوبة، إنما يرقى إلى فشل في فهم العالم الذي نعيش فيه. فقد ولى زمن الهيمنة العسكرية الغربية، وسياسة القوة التي لن تخدم سوى الأهداف الدعائية لـ«داعش». فهذا الأخير تنظيم إجرامي وإرهابي، لكنه يحظى بدعم محلي. والأسد، المسؤول عن بدء المذابح والمتسبب حالياً في سبعة أضعاف ما أوقعه «داعش» من ضحايا، لا يمكن أن يكون جزءاً من الحل. وبالتالي، فإن الحل يكمن في ذهابه وقيام حكومة مستوعبة لجميع الأطياف في البلاد، لكن من يستطيع تحقيق ذلك على المدى القصير؟

الروس يمثلون حالياً (رفقة إيران) العقبة الرئيسية، لكنهم موجودون في سوريا من أجل الدفاع عن مصالحهم وليس عن الأسد، أي أنهم لن ينخرطوا في حرب شاملة، لكن لا يمكن التوصل لأي حل بدونهم، ناهيك عن حل ضدهم.

والواقع أنه من الوارد التفاوض مع الرئيس السوري، لكن فقط حول شروط رحيله وكيفية تسريع المرحلة الانتقالية.. لا شك أن الروس يمكن أن يستمعوا إلى هذا الخطاب إذا ضمنا لهم أن تكون مصالحهم في سوريا محفوظة مع عناصر من النظام، لكن من دون الأسد الذي أصبح وجوده يقوّي «داعش» ويعززه.

المصدر: الاتحاد

“التدخل الروسي.. مصالح وحلول”

أخبار سوريا ميكرو سيريا