روسيا.. الغطاء والهدف!

روسيا.. الغطاء والهدف!
أمال موسى

دائما، يعد التوقع الدقيق للسيناريوهات السياسّية المستقبلّية، سواء كان ذلك على المدى القصير أو البعيد، من الأمور غير المضمونة بالمرة. فقد يتحقق السيناريو كما توقعناه، وقد يأتي غيره المختلف عنه، بل وحتى الُمعارض له تماًما. وإذا ما عدنا إلى تاريخ حرب الخليج الأولى، سنجد أن العالم من وجهة نظر سياسّية، دخل في دوامة من الأحداث والمفاجآت وعاش عمليات تحويل وجهة كثيرة. ولا شك في أن ظاهرة التنظيمات الإرهابية والجماعات التكفيرّية، أسهمت بدور أساسي وأولي في حصول الّلخبطة وفي تغيير قواعد اللعبة الوطنّية والإقليمّية والدولّية مرات ومرات. وهي مسألة جعلت حتى أعتى رجال السّياسة وأكثر المحللين السياسيين خبرة وتجربة وموهبة في حاسة الشم السياسّية، غير قادرين كما كانوا من قبل على تقديم قراءة صائبة إلى أعلى حّد ممكن. ودليلنا في ذلك أنه قبل أشهر، لم يكن أحد يتوقع أن يتطور الموقف الروسي من داعم ومدافع إلى متدخل بشكل رسمي في الأراضي السورية، وقواته جنًبا إلى جنب مع القوات النظامّية السورية. إنها حقيقة، وإن كان يحز في نفس كثيرين بلوغ هذه المحدودية في القراءة السياسّية. طبًعا مفهوم أن مرحلة التدخل بأشكاله التقليدية قد ولت وانشغل العالم بمقتضيات العولمة، التي أنتجت أشكالاً مخاتلة وغير مباشرة أو مرئية للتدخل. ولكن في الوقت نفسه لا نستطيع أن ننسى أن الظواهر تعيد إنتاج نفسها عبر أشكال وقوالب جديدة. وليس صحيًحا أن المخاتلة في التدخل الأجنبي حديثة العهد. فتونس مثلاً عندما احتلتها فرنسا لم تصف ذلك بالاستعمار ولا الاحتلال، بل إنها أمضت مع الباي آنذاك اتفاقية سمتها: معاهدة الحماية. إن الّلغة تتحايل على الواقع وتلاعبه وتتلاعب به. وأمام ما أحدثه تدخل روسيا في سوريا من مفاجأة وصدمة وحيرة وارتباك، فإن دول المنطقة العربية – التي تعنينا في المقام الأول – لم تتأقلم مع هذا التطور النوعّي. وعندما نتحدث عن التأقلم لا نقصد المجاراة والقبول الأعمى بأمر الواقع والتنكر للمواقف السابقة، بل نقصد تحديًدا ضرورة قراءته كمعطى واقعي جديد ومحاولة وضعه في ميزان القراءة والمقاربة، بحيث نتجاوز وقع الصدمة ورفضنا لهذا المعطى الجديد والنظر فيما يمكن أن تربح منه المنطقة، وكيف نستعد مبكًرا لتداعياته. يبدو لي أن هذا قدر رجال السياسة: فليست المهارة السياسية في تقبل ما نحب بل في كيفية التعامل المدروس مع ما يحدث من مكروهات هي ضد الإرادة السياسية. وفي هذا الإطار، نظن أن التركيز على ما أعلنته روسيا من أنها تدعم النظام السوري في حربه ضد الإرهاب وتنظيم داعش مسألة مهمة جًدا، وذلك بلفت النظر، إذا كان ذلك صحيًحا أو مجرد غطاء. لنمسك بالغطاء ونجابه به روسيا.

فالكل دون استثناء متضرر من النبتة الشيطانية «داعش»، وأي تقاطع للمصالح في هذا الصدد، قد يكون في زاوية من الزوايا نقطة مقبولة. أما إذا انشغلنا بالهدف على حساب الغطاء المعلن، الذي يعنينا في المقام الأول، فإننا سنهدر طاقة وأيًضا سنسهم في تغييب حقائق مهمة. يبدو لي أن تركيز كل التفكير في أن روسيا تدخلت في سوريا من أجل عيني بشار الأسد، سينتهي بنا إلى حجب المشهد وأبعاده. لا يوجد رئيس دولة في العالم يتبنى قرار التدخل في أي دولة فقط من أجل حماية الحاكم فيها. وحدها المصالح تقف وراء قرارات التدخل الأجنبي والحروب ومعاهدات السلام. هذا ما علمنا إياه التاريخ. أن يكون النظام السوري ضامًنا لمصالحها ولمصالح إيران في المنطقة، فإن ذلك كلام أكثر دقة، وفي التصريح به على تلك الشاكلة مسك بالخيط الأول في عملية إدارة الأزمة والصراع. إن تدخل روسيا في سوريا وبتلك السرعة في وقت تعيش فيه روسيا أزمة مالية، تتمظهر بالأساس في إفلاس بعض مصارفها وانهيار سعر الروبل وتراجع أسعار النفط.. لا يمكن إلا أن يكون تدخلاً اضطرارًيا ومحسوًبا ويستند إلى خطة وأهداف. نعتقد أن الموقف الأقرب إلى الموضوعية والواقعية اليوم يجب أن يستثمر خطاب روسيا حول الحرب على الإرهاب وأن يراقب تطوره وانحرافاته أيًضا. في حين أن الانشغال بما بعد الحرب على الإرهاب ينطوي على توقعات لا أحد قادر على ضمانها حتى بوتين والنظام السوري نفساهما. إن الحرب على الإرهاب غامضة وطويلة. وإذا حصل وتم القضاء على تنظيم داعش فإن معطيات كثيرة ستتغير ولا أحد يستطيع الحسم في هذه المعطيات، لأن الواقع الّراهن محكوم بالتشابك وبالتعقيد وباحتمالات صدام بين نيران صديقة وعدوة. إننا مع الأسف الشديد في مستنقع بأتم معنى الكلمة، ولا مجال لإدارته ومراقبته ولتحديد المواقف منه إلا يوًما بيوم. لذلك، فإن الاستعداد للتغيرات، يتطلب طريقة تفكير غير حاسمة ومواقف متصلة بتفاصيل ما يجري لا بكليته.

المصدر: الشرق الأوسط

أخبار سوريا ميكرو سيريا