قصص ثلاثة أطفال هاجروا إلى أوروبا


441ميكروسيريا – خليل المصري

بات تدفق اللاجئين (المهاجرين غير الشرعيين) إلى القارة الأوروبية أزمةً حقيقية، وباتت الاتحاد الأوروبي يسعى جاهداً إلى الحد من تدفق هؤلاء، الذين يأتي أغلبهم عبر المياه الإقليمية بين تركيا والجزر اليونانية في بحر إيجة، خصوصاً بعدما أطلق الأوروبيون عملية في البحر المتوسط لوقف خروج المهاجرين غير الشرعيين من سواحل ليبيا نحو الجزر الإيطالية.

ومع دخول الأزمة السورية عامها الخامس، واستمرار أزمة النزوح عن المناطق الواقعة تحت القصف، شكل السوريون نحو خمس المهاجرين غير الشرعيين الواصلين إلى أوروبا، وأغلبهم يسعى للوصول بهدف المطالبة بلم شمل أسرته في البلد الذي يريد التقدم فيه بطلب اللجوء.

ورغم أن المهاجرين السوريين أغلبهم كان من اللاجئين في دول الجوار، أو من النازحين حديثاً عن مدنهم في الداخل السوري، إلا أن الموجة لم تتوقف عند هؤلاء، فعدد من المقيمين في دول الخليج -مثلاً- تركوا أعمالهم وإقامتهم “النظامية” وطرقوا باب الهجرة، ولكل في قصته سبب وغاية، إلا أننا هنا سنستعرض قصص ثلاثة أطفال هاجروا إلى أوروبا، في تجربة خطرة جداً عليهم، احتاجت من أهلهم الكثير من التفكير قبل المبادرة إلى دفع أولادهم نحو القارة الأوروبية.

ولد غسان في دولة خليجية، ولدى والده إقامة رسمية بموجب دراسته لمعهد متوسط، وفي الحقيقة والد غسان استدعى زوجته على أساس زيارة، ما خلق مشكلة في شأن هذا الطفل، الذي لا يستطيع استخراج أي ورقة ثبوتية سوى شهادة الميلاد، حيث تمنع القوانين في هذا البلد المقيم بلا شهادة جامعية من استقدام زوجته بإقامة رسمية، وراعت ظروف السوريين في ظل الحرب وسمحت لهم بتمديد الزيارة لأشهر.

والصيف الماضي ذهب به والده إلى فرنسا، بعدما استطاع بجهدٍ جهيد استخراج جواز سفرٍ له، واصطحابه إلى هناك بدعوة من أحد الأقارب الذي يستثمر بمعمل منذ سنوات عديدة، ولم يواجه غسان ووالده ويلات عبور البحر بقارب مطاطي لأربع ساعات، وقام الوالد بتقديم طلب لجوء لابنه، ومن ثم لم شمل لوالدة غسان، التي انتظرت بضع أسابيع، وعاد أبو غسان ليكمل عمله في هذا البلد، على أمل أن يلتقي بزوجته وأطفاله الذين ذهبوا إلى فرنسا في وقت لاحق، عنده في مكان عمله، أو عندهم في ملجأهم، أو في أي مكان على هذه البسيطة.

تختلف قصة حامد عن قصة غسان، في كونه يحمل إقامة رسمية ملحقة بوالده الذي يعمل مدرساً في بلدٍ خليجي أيضاً، وعاش سنوات عمره الخمس عشر في هذا البلد، وزار بلده الأم سوريا عدة مرات قبل الثورة، وبات مرتب والده المدرس لا يكفي لتغطية تكلفة تدريسه مع أخويه الآخرين في هذا البلد، ما دفع أهله إلى حسم أمرهم، خصوصاً وأن رحلات الوصول بواسطة “البلم” أصبحت مجرّبة!

وقامت أم حامد بتوضيب حقيبة فتاها الذي أنهى المرحلة المتوسطة بتفوّق، ودمع العين يسبق يدها إلى كل قطعة من ملابسه، أوراقه تعاون والداه على حزمها جيداً بأكياس النايلون، أو بالبوالين حتى لا يتسرب إليها الماء؛ واستطاع حامدٌ الوصول في غضون أسبوعين من مغادرة أهله، إلى ألمانيا، حيث ينوي أن يكمل دراسته ويتقدم بطلب لم شمل لوالدته وأخويه، حيث يفضل والده متابعة العمل الذي اعتاد عليه.

غادر حسن مدينته في ريف حمص في العام الثاني للثورة السورية، وذهب مع أهله إلى بلدٍ عربي، واستطاع والده وعمه العمل هناك، إلا أن المردود كان بالكاد يكفي لسداد إيجارات المنازل، وتكلفة معيشة العائلة، التي تضم الجد والجدة، وأصبح حسن في المرحلة المتوسطة، ومصاريف التعليم سوف تزداد تدريجياً، وقطعت العائلة الأمل بالعودة إلى البلاد، بعد أن استمر وجودهم خارجها لنحو أربع سنوات.

وكحال أم غسان، كانت أم حسن أكثر من بكى على فراقه، ووالده في ذلك الشهر صرف على تبغه صعفي ما يصرفه عادةً، والذي بات يحسبه منذ وصوله إلى هنا، وفي الأسبوع الأخير أنهى “كروزين” كاملين، وفي النهاية قام حسن بزيارة مدينة إسطنبول وحيداً، وهي المرة الأولى التي يسافر وحده، وغادرها إلى إزمير مع مجموعة من أصدقاء والده، الذين وصلوا جميعاً إلى ألمانيا في نهاية المطاف، وربما كان حسن الوحيد بينهم من سيتقدم بطلب اللجوء لغرض الدراسة.