هل يصلح بوتين ماأفسده أوباما؟

22 أكتوبر، 2015

ميكروسيريا – آدم ملحم

لم يذهب الأسد إلى موسكو ليضع القيادة السياسية هناك بصورة العمليات العسكرية التي تنفذها على الأراضي السورية منذ ما يقارب الشهر، على ما أعلنت وسائل إعلامه التي بدت مرتبكة جراء الزيارة التي جرى التكتم عنها بداية، فالتنسيق العسكري بين الجانبين في أعلى مستوياته منذ اندلاع الثورة، ولم تكن الزيارة كذلك رسمية ذات بعد دبلوماسي عسكري، إذ غاب عن الصور الواردة من الزيارة أي حضور رسمي لوفد سوري متعدد الجوانب، مايدل أن الزيارة كانت استدعاء للأسد لتلقينه رسالة شخصية، قد نختلف على فحواها، وسط تكتم شديد من الكرملين يوحي باقتراب الوصول إلى نهاية التفاوض حول الحل في سوريا.

وبصرف النظر عن الطريقة التي استقبل بها الأسد، أو الطريقة التي غادر بها البلاد متوجهاً إلى موسكو ثم عائداً إلى دمشق، والتي قوبلت بسخرية وانتقاد من الناشطين، مابين قائل أن الأسد هرب كما يهرب السوريون كل يوم عبر الحدود، وآخر قائل بأن موسكو أشرفت على نقل الأسد بطائرات عسكرية من مطار اللاذقية، إلا أن ماأوضحته الصور كان جلياً بأن بوتين يستقبل الأسد كصبي صغير في حضرة عراب مافيا، وأن أولى الرسائل الواصلة من هناك، أن على الأطراف الدولية مواءمة مصالحها الاستراتيجية في سوريا مع روسيا، وأن السيادة السورية انتهت إلى غير رجعة، في ظل نظام الأسد.

وفي سياق ذلك رأى محللون سياسيون أن كسر عزله الأسد واستقباله رسمياً في موسكو، هو تحد جديد عمد بوتين إلى إظهاره لإعادة تسويق الأسد في المرحلة الانتقالية التي لم تضح معالمها بعد أو يتضح دور الأسد فيها، وتأكيد روسي على شرعية الأسد ودوره المحوري في أي عملية سياسية حول سوريا، بعد أن عمدت الغارات الروسية على استهداف قوات المعارضة بهدف تحقيق انتصارات تدعم موقف الأسد في أي حل تفاوضي تحت المظلة الروسية الإيرانية.

في حين ذهب آخرون إلى التأكيد على أن موسكو بدأت تستشعر الورطة العسكرية لها في سوريا، فهي تعي تماماً إن الشرق الأوسط ليس أوكرانيا، وأن الدول المحيطة بسوريا والداعمة للثورة ستواصل إرسال الإمدادات للحفاظ على نقاط التماس، وبالتالي موازين القوى، وأنها تسرع اليوم في إطلاق حل سياسي قد يضمن لها الإسراع في الخروج من المستنقع أو تشكيل تحالف دولي يحقق مصالح روسيا ويحفظ ماء وجهها.

ولم تمض ساعات قليلة على انتهاء الزيارة حتى بدأ الرئيس الروسي، حملة اتصالات دبلوماسية طالت مختلف الفاعلين في الأزمة السورية بغية إطلاعهم على المبادرة الروسية الجديدة عشية انعقاد طاولة تفاوض جديدة حول سوريا في العاصمة النمساوية، تضم وزراء خارجية روسيا وأمريكا وتركيا والسعودية، مايثبت أن روسيا انتقلت فعلاً إلى إدارة الأزمة السورية بعد أسابيع من إرسال طائراتها العسكرية لتلويح بالقوة في حال فشل المساعي الدبلوماسية السياسية.

وبرغم حملة الاتصالات المكثفة تلك إلا أن العديد من المراقبين رأوا أن الحديث مازال مبكر عن تسوية سياسية شاملة في سوريا، مشككين في نوايا الرئيس الروسي التي لم تتكشف بعد، معتبرين أن بوتين يبحث عن غطاء سياسي لتكثيف عملياته العسكرية والضغط على المعارضة ما أمكن، بعد أن تركت له الولايات المتحدة الملعب السوري، في حين أشارت التصريحات الصحفية المتعاقبة التي صدرت عن القادة الفاعلين بالأزمة أن هناك فعلاً مبادرة روسية حقيقية أهم بنودها الحفاظ على الأسد في مرحلة انتقالية، وان الجميع بات موافقاً على هذا الطرح لإنهاء الصراع في سوريا.

وهو ماأكده المعارض السوري ومدير مركز إسبار للدراسات والبحوث “صلاح الدين بلال”، على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، إذ نقل عن مصادر مقربة حضرت الاجتماعات التمهيدية في فيينا أهم بنود المبادرة الروسية والتي تشتمل بشكل إساسي على بقاء الأسد في السلطة دون صلاحيات، مدة انتقالية تمد ستة شهور من تاريخ بدء العملية السياسية و تشكيل حكومة انتقالية من النظام و المعارضة بصلاحيات واسعة، وتشكيل لجنة وطنية من المختصين لإعادة كتابة الدستور و إعلان الانتخابات، والتحضير لإجراء انتخابات برلمانية و رئاسية تقرر مسار العملية السياسية القادمة للبلاد بمشاركة كل القوى و المكونات السورية، إضافة إلى تشكيل لجنة للمصالحة الوطنية.

وأشار “بلال” إلى أن المبادرة أكدت على انشاء مجلس عسكري مشترك يقوده ضابط متوافق عليه، لافتاً إلى أن العميد المنشق “مناف طلاس” هو الشخصية الأكثر ترشيحاً لهذا المنصب، وأن المبادرة نصت أيضاً على إعادة تشكيل الجيش و الامن و محاربة الارهاب و القوى المعارضة للحل السياسي.

وفي الرد السياسي على المبادرة الروسية واستقبال الأسد كان واضحاً رفض بعض أقطاب المعارضة لما وصفوه الصفقة السرية التي بدأت في أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة بين روسيا وأمريكا، متهمين أياها بالمحاولة في الالتفاف على شرعية جنيف وإعادة تسويق الأسد بشكل ما في مرحلة انتقالية، بعد أن رفض الكثير منهم الاجتماعات التي أطلقها المبعوث الروسي إلى الشرق الأوسط للقاء قادرة معارضين وعسكريين في مابدا أنه بحث عن شخوص المرحلة الانتقالية التي ستشارك الأسد الحكم، في حين تلقفها البعض بالتهليل لبدء نهاية الأزمة السورية وإشراقة جديدة للشمس من العاصمة الروسية، في حين اكتست الدهشة ملامح البعض متسائلين هل يصلح بوتين ماأفسده أوباما؟.

وأيا يكن شكل المبادرة أو مرتكزات بنودها وتوقيت حصولها فإن معاناة السوريين مازالت مفتوحة على كل الاحتمالات، مابين مبادرة قد تكون منقوصة لاتوازي تضحياتهم التي قدموها خلال مايقارب الخمس سنوات، أو التفاف سياسي يخفي عملاً عسكرياً واسع النظاق سيأكل المزيد من دماء أبناءهم في ظل تصارع الأطراف الدولية على أرضهم بالتساوي أو بالتفاوص مع روسيا، أو فشل جميع مساعي الحل وإغلاق البلاد على من بقي من أهلها، لتتحول إلى محرقة تاريخية يموت فيها الجميع بانتظار إنهاك كل القوى، الأمر الذي دعا بعض الناشطين إلى القول إن على السوريين التوجة الى اول “بلم” ومغادرة سوريا قبل فوات الأوان.

22 أكتوبر، 2015