وزير الإعلام السوري الأسبق لـ’العرب’: الحل في سوريا لا يمر عبر التدخل الأجنبي


_64811_bach3

أثار التدخل العسكري الروسي في سوريا، مؤخرا، جدلا محتدما بين صفوف الخبراء والمحللين حول طبيعة أهدافه والأسباب الكامنة وراءه ومدى تعلقه بمصالح موسكو الاستراتيجية من عدمه. جدل ارتأت “العرب” أن تسلط عليه الضوء بدورها من خلال طرح نقاطه الخلافية واحتمالاته المتباينة، في سياق حوار أجرته مع وزير الإعلام السوري الأسبق، المعارض حاليا، حبيب حداد.

قال وزير الإعلام السوري الأسبق حبيب حداد، في حوار مع “العرب” إنّ القيادة الروسية لا تتصرف حيال الأزمة السورية بمنطق ردود الفعل وإنما تمتلك مشروعا يتناقض مع المشروع الإيراني، مشددا على استحالة تأهيل الرئيس السوري بشار الأسد من جديد. كما أكّد على عدم واقعية أي حل فيه مصالحة بين الجلاد والضحية، منبّها إلى أنّ البديل لن يظهر إلاّ عبر مؤتمر وطني عام تحت إشراف الأمم المتحدة.

حبيب حداد، الذي كان يشغل خطة الأمين القُطري المساعد لحزب البعث السوري في منتصف ستينات القرن الماضي، قبل أن يضطرّ جراء ملاحقات الأجهزة الأمنية إلى مغادرة سوريا واللجوء إلى الولايات المتحدة، حيث أعلن من هناك عن تأييده ومساندته للثورة السورية ضد نظام بشار الأسد، أكّد أن روسيا تتبع مصالحها في سوريا وتعرف تماما ما تريد.

وأضاف قائلا في معرض تصريحاته لـ“العرب” “لقد مرّ على التدخل الروسي في الشأن السوري في مرحلته النوعية المستجدة، أي بشكله المباشر والمكثف، أكثر من ثلاثة أسابيع، وخلال هذه الفترة توضّحت بعض المعطيات حول أهداف وأبعاد هذا التدخل، والحكم الأولي يمكن تصوره من خلال محاولة التعرف على استراتيجية روسيا ومصالحها في هذه المنطقة من العالم، فبعد انكفاء دورها وتراجع علاقاتها مع معظم البلدان العربية أصبحت ترى في سوريا التي ترتبط معها بعلاقات تاريخية واستراتيجية (اقتصادية وعسكرية وسياسية وإنسانية) تعود لمنتصف خمسينات القرن الماضي، قاعدتها الأخيرة والوحيدة في هذه المنطقة بعد انحسار دورها في العراق وليبيا ومصر. لذا يخطئ كل من يظن أن القيادة الروسية تتصرف حيال الأزمة السورية بمنطق ردود الفعل أو أنها لا تمتلك خطة أو مشروعا معينا للحل في سوريا، وهي تعمل بطبيعة الحال على أن يكون هذا الحل متوافقا مع مصالحها”.

وربط حداد بين الملف السوري والأوكراني قائلا “إنّ روسيا تولي في مجال اهتماماتها الآن المسألة السورية نفس المرتبة التي توليها للمسألة الأوكرانية، وربما تربط في صراعها مع الولايات المتحدة وحلف الناتو بين الملفين في أي تسوية محتملة في المستقبل”.

مسوغات التدخل الروسي

في ما يتعلق بالحديث المتواتر عن تشبث موسكو بحليفها الأسد وإصرارها على انتشاله، أوضح حداد أنّ ذلك مجانب للواقع، حيث يرى أنّ “التدخل الروسي الحالي لم يأت لإنقاذ بشار الأسد ونظامه”، معتبرا “أنّ هذا النظام أشرف على الانهيار دون وجود بديل تتوافق عليه المجموعة الدولية، ومن منطلق تقاطع المصالح الدولية بشأن الوضع السوري والأوضاع الملتهبة في المنطقة بصورة عامة فإن التدخل الروسي يمكن أن يساعد على التوصل إلى حل توافقي يرضي جميع الأطراف وينشّط مسار الحل السياسي، والعامل الأهم أو الحلقة الرئيسية المفقودة في مسار الحل السياسي كي يتواءم مع مطالب السوريين ويتناسب مع حجم التضحيات التي قدموها، هو عدم وجود ممثّل يعبّر عن إرادتهم ويجسّد وحدتهم الوطنية، وذلك لن يتحقّق إلاّ بانعقاد مؤتمر وطني عام تحت إشراف الأمم المتحدة، تشارك فيه كل أطياف المجتمع السوري ومكوناته”.

وفي ما يتعلق بمدى التنسيق القائم بين روسيا وإيران حول الأزمة السورية، نفى حداد قبول روسيا لاستمرار “الهيمنة” الإيرانية على القرار السوري، وقال “رغم العلاقات الجيدة بين روسيا وإيران والتنسيق بينهما إزاء بعض السياسات الدولية، إلا أنهما تتباعدان في المواقف تجاه العديد من القضايا تبعا لتباين استراتيجيتهما ومصالحهما الحيوية، حيث أنّ إيران تنظر بعين الخشية وعدم الرضى لتمدد النفوذ الروسي في سوريا”. ولفت إلى أنّ روسيا وإيران تلتقيان في هدف أولوية مواجهة الإرهاب لكنهما تختلفان كليا من الموقف تجاه مصير الأسد، مشدّدا على “أنّ تعاظم الدور الروسي في سوريا سيكون بلا شك على حساب الدور الإيراني في مجال التأثير على أي حلّ سياسي على المدايين القريب أو المتوسط”.

وأعرب حداد عن قناعته بامتلاك روسيا والولايات المتحدة لأدوات الضغط الملزمة لتفرضا حلولا ملزمة للنظام السوري وإيران، وقال “لاشك أن الطرفين الدوليين اللذين يملكان الآن زمام المبادرة في إمكانية التوصل إلى حل سياسي للمسألة السورية، معتمد من مجلس الأمن وملزم، هما الولايات المتحدة وروسيا، وهما القادرتان على إلزام حلفائهما بقبول مثل هذا الحل وتنفيذه، لكن التوافق بين هاتين الدولتين حول الصيغة النهائية للحل لم يتمّ حتى الآن رغم التقارب الحاصل بينهما مؤخرا، وأعتقد أنه إذا ما توصّلت روسيا والولايات المتحدة إلى صيغة للحل السياسي للأزمة السورية ستضطلع عندها الأمم المتحدة بدور في العملية الإجرائية التنفيذية، وروسيا التي لها التأثير الأكبر على الأرض، ستكون قادرة على فرض هذا الحل الدولي على النظام وعلى إيران”.

مسار خاطئ

لدى حديثه عن السلبيات التي نتجت عن عسكرة الثورة السورية، قال حداد “قبل أن تستكمل الثورة السورية عامها الأول تمت عسكرتها من قبل الأطراف الإقليمية والدولية، وأصبحت البلاد ساحة صراع مكشوفة ومستباحة لتصفية حسابات مختلف هذه الأطراف المتصارعة، ثم اتّخذ هذا الصراع طابع الحرب الأهلية المذهبية ببعديها الإقليمي والدولي، ولقد لعبت هيئات المعارضة الخارجية التي أعطت لنفسها صفة الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري وثورته دورا خطيرا، ونعني هنا تحديدا الائتلاف ومن قبله المجلس الوطني، عندما ارتضت أن تكون أدوات لسياسات تلك الأطراف الخارجية من جهة، وتسابقت لتكون واجهات إعلامية لبعض المجموعات الإرهابية المسلحة على الأرض السورية وللتغطية على طبيعتها المعادية للمشروع الوطني الديمقراطي من جهة ثانية”.

وأضاف “أنّ هذه المعارضات تستنكر اليوم التدخل الروسي في سوريا وهي نفسها دأبت طوال الأعوام الأربعة الماضية على استدعاء كل أنواع التدخل والعدوان الأجنبي العسكري المباشر، بينما وقفت القوى الوطنية الديمقراطية السورية في وجه كلّ أشكال التدخل الخارجي وتداعياته التي أكملت ما قام به نظام الاستبداد والفساد من تدمير شامل لسوريا”.

وقد قاد هذا المسار الخاطئ والمدمر، وفق حداد، إلى المأساة الوجودية التي يعيشها السوريون اليوم، وأخطر تلك الفصول أنه لم يعد يمتلك قراره الوطني المستقل ليبني المستقبل الذي يشاء، وللأسف لم تتوفر له بعد خمس سنوات من انتفاضته هيئة سياسية معبرة مرحليا عن إرادته في التغيير الديمقراطي وإنهاء نظام الأسد، مشددا في هذا الصدد على “أنّ الحل السياسي المستند إلى وثيقة جنيف هو السبيل الوحيد لإنقاذ سوريا من محنتها ومواصلة المسار لتحقيق تطلعات شعبها”.

وشدد على ضرورة أن تستعيد المعارضة ثقة السوريين المفقودة، لافتا إلى أنه “لم يكن بإمكان المعارضات السورية الداخلية والخارجية المشتتة والمتناحرة والمتشرذمة أن تقدم أي حلول عملية لصالح القضية الوطنية لسببين: أولهما افتقادها لرؤية واضحة وبرنامج عمل موحّد لمهمات المرحلة الانتقالية، وثانيهما أن الهيئات التي ادّعت تمثيل الشعب السوري، كالمجلس والائتلاف، كانت صنيعة الأطراف الإقليمية وأدت أخطر الأدوار، ولذلك فعلى المعارضات السورية الوطنية الديمقراطية أن تتحمل مسؤولياتها وتستعيد ثقة السوريين وتستوعب دروس وتجارب السنوات الماضية وتعمل على توحيد رؤيتها وبرنامج عملها في مؤتمر وطني عام على أساس الحل السياسي ووثيقة جنيف”.

وأشار إلى ضرورة قبول السوريين المشاركة بمبادرة المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا ذات اللجان الأربع، قائلا “في الواقع خطة دي مستورا ليست خاصة به، ولا هي من بنات أفكاره، بل هي مبادرة طرحها الأمين العام للأمم المتحدة كترجمة عملية للتوافقات الأولية الحاصلة بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، وتهدف إلى إيجاد المناخ الملائم وتوفير الأرضية المناسبة للتمهيد لانعقاد جنيف 3، ويجب أن تكون صفات المشاركين في لجانها المقترحة هي الكفاءة والخبرة، ومن الغريب أن تقابل مبادرة الأمم المتحدة ومندوبها بالرفض المطلق والتشكيك بخلفياتها ومراميها وتصويرها على أنها حلقات في مؤامرة متواصلة تستهدف السوريين، بينما كان يجب التعامل معها بروح إيجابية مسؤولة والعمل على تعديل ما تتضمنه من سلبيات”. ولفت إلى “أنّ الحل السياسي هو الوحيد الذي من شأنه إنهاء نزيف الصراع الذي خرج عن إطاره الوطني والاجتماعي فوق الجغرافية السورية، أما الإصرار على المواصلة فيه فمعناها استكمال تدمير البلاد جراء حرب عبثية مدمرة، ولذلك فعلى السوريين استعادة وحدتهم الوطنية المهشمة وذاتهم الحضارية الإنسانية ليصنعوا الغد الذي يستحقونه”.

واستبعد حداد كلّيا أن يعاد تأهيل الأسد دوليا كما يعتقد أركان نظامه وأنصاره، وقال “لا يمكن إعادة تأهيل النظام بعد التضحيات الجسام التي قدمها السوريون طوال أربعة عقود وخاصة منذ انتفاضتهم قبل خمس سنوات من أجل إقرار الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية”.

كما أوضح أنه “لا يمكن لأحد أن يرى الحل في مصالحة الجلاد والضحية، ولذلك فلا بد من تطبيق العدالة الانتقالية على كل من أجرم بحق شعبه، أمّا الذين يعتقدون أو يتصورون إمكانية إعادة تأهيل رأس النظام الحالي والمحيطين به الذين ارتكبوا أبشع أنواع الجرائم بحق الشعب السوري وشعوب المنطقة كلها، هؤلاء يعيشون في عالم آخر وربما غشيت أبصارهم وتعطلت بصائرهم”.