حمص تنزف من جديد
30 تشرين الأول (أكتوبر)، 2015
همام المحمد
في خضم الأحداث المتسارعة والنتائج الكارثية نتيجة الهجمة الروسية جواً الإيرانية براً داعمين ميليشيات الأسد في هجومها على حمص وريفها وممارسة الحصار بكل أشكاله التعسفية الممنهجة على أهالي حمص والقصف الهمجي اللحظي الذي يودي بحياة عشرات المدنيين جلهم أطفال ونساء، سلطت ميكروسيريا الضوء على معاناة المدنيين لترى بأم عينها وتري العالم جرح حمص الذي لم يكن ليندمل إلا وعاد ليفتح وينزف من جديد.
حمص الجديدة “الوعر” والحولة تئنان تحت الحصار الخانق القاتل وحرمان المدنيين من كل شيء بكل ما يحمل الشيء من معنى، فلا مواد غذائية ولا طبية فكلاهما يعانيان من نقص حاد في الغذاء والدواء والكل محروم ومجرّم باسم الإرهاب من الطفل الرضيع وحتى الشيخ المسن، ومن خلال زيارتنا ولقائنا مع الطبيب أبو يزن الخالدي وسؤالنا له عن الوضع الطبي أجاب بتنهيدة طويلة: إني لأذرف الدموع كلما عاينت طفلاً وباشرت بكتابة الوصفة الطبية له وأنا أعلم أن الدواء يؤخذ بعد الطعام ونحن لم نرَ المواد الغذائية منذ أواخر شهر أغسطس وحتى اليوم، والدواء غير موجود أيضاً فأكتب: إنا لله وإنا إليه راجعون.
هذا الحال بدأ ينتشر في عموم قرى وبلدات ومدن الريف الشمالي خاصة بعد العدوان الروسي عليها فالمشافي قاحلة إلا من بعض الدواء والسيرومات التي لا تغني ولا تسمن من جوع، الجرحى بالعشرات والكوادر الطبية غير كافية ومستلزمات الجراحة غير موجودة البتة، وبانتقالنا إلى الوعر وجدنا نحو ألفي مريض بالكلى منسيين، وأكثر من عشرة أطفال مصابون بالجفاف نتيجة نقص الحليب والغذاء بالمشافي، ونحو ألفين وخمسمائة امرأة حامل يعانين من نقص الغذاء والدواء وقد تعرض منهن خمسة حوامل للإجهاض القسري وموت الأجنة، وقرابة ألف رجل وامرأة مصابون بأمراض القلب وتوابعه ومرضى السكري ولا يجدون كبسولة دواء تخفف آلامهم، وقد توفي رجل أربعيني يدعى أحمد الوهبان نتيجة لذلك، أخذوا يعتمدون على تناول الأعشاب الطبيعية ولكنها لا تعطي أُكُلها كما الدواء.
المحال التجارية فارغة خاوية على عروشها، شوارع الأحياء وأزقتها شبه خالية نهاراً ومنع للتجوال نتيجة القصف على ريف حمص الشمالي والمعارك الدائرة فيه، ونتيجة لإغلاق المحال والصيدليات القاحلة في الوعر والحولة.
وضمن الجولة التقينا بالمعلمة أم ضياء في الوعر وكنا قد سألناها عن وضع الطلاب فأجابت وعيونها تفيض بالدمع: الأطفال ينسون جوعهم وهم على مقاعد الدراسة بل وخارجها ويعيشون وكلهم إصرار على البقاء لأنهم لم يعودوا أطفالاً فهم رجال ويتحدثون كالرجال ويخفون طفولتهم البريئة خلف معدة فارغة وصمت عن أي وجع بداخلهم لأنهم يدركون أن لا دواء ولا غذاء في الحي ليطلبوه من أهلهم، ولأنهم عصب حياتنا وشرياننا وفلذة أكبادنا أتوجه إلى من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ولكل منظمة وهيئة ومجلس بأن “ارحموا أطفالنا وأغيثوهم”.
حمص تنزف من جديد فهل سيندمل جرحها وينصرها أبناؤها لتنبض أحياؤها بالحياة وتخضر أرضها ويصفو عاصيها بالقريب العاجل؟