مصالحة وطنية في سورية

إبراهيم غرايبة

“ليس هناك انتصار كامل”.

ما نشر على أنه تسريبات، وتناقلته وسائل الإعلام على نطاق واسع بشأن مبادرة روسية لتسوية الصراع في ‫سورية، ملخصها: إصدار عفو عام، وإطلاق سراح المعتقلين كافة، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، والموافقة على تغييرات في الدستور يتم بموجبها نقل صلاحيات رئيس الجمهورية لرئيس الوزراء المنتخب، بضمانات روسية بعدم ترشح الرئيس بشار الأسد بنفسه، مع السماح لشخصيات بالنظام للترشح؛ تبدو مبادرة ملائمة وتمنح فرصة عادلة للأطراف المتصارعة اليوم في سورية، بل هي أفضل ما يمكن تصوره.

لقد تحول الصراع في سورية إلى حرب أهلية، امتدت آثارها وتداعياتها السياسية والاجتماعية إلى دائرة واسعة محيطة بسورية، ولم يعد ممكنا لطرف أن يحسم الصراع. كما أصبحت دول المنطقة معنية بما يدور وما تؤول إليه الأحداث والتفاعلات، وليس ثمة خيارات أو مسارات متوقعة أو ممكنة سوى صراع مديد. وإذا حصلت المعارضة السورية على أسلحة متطورة تواجه بها الطائرات والمدرعات الروسية والسورية، فإن الحرب ستتحول إلى حرب إقليمية كبرى، أما إذا لم تحصل على تلك الأسلحة، فإنها ستتحول إلى مجزرة هائلة ومرعبة.

المصالحة يجب أن تكون تسوية مقبولة للأطراف الرئيسة، بحيث تتنازل جميعها وتكسب جميعها أيضا. وفي ذلك، فإنها تحتاج إلى مستوى متقدم من الشجاعة والعقلانية. فطالما أن كلا من النظام والمعارضة غير قادرين على حسم الصراع، ويفترض أن كل طرف لا يريد إبادة الطرف الآخر، فإن المبادرة تمنحهما وضعا عادلا وكريما. ويبدو أن المعارضة لا تستطيع أن تواصل القتال إلا بمعونة خارجية، وهي بذلك تطيل أمد الصراع لتصل بعد سنوات طويلة وخسائر مضاعفة إلى ما تقدمه المبادرة الروسية.. هذا إذا انتصرت في نهاية المطاف!

لكن ثمة مخاوف محقة من أن تتنصل روسيا من مبادرتها وتغدر بالمعارضة. وهنا يفترض أن يكون “أصدقاء سورية” ضامنين للاتفاق وليس روسيا وحدها. ومؤكد اليوم أن أفضل ما يمكن أن يفعله “أصدقاء سورية”، هو مساعدة الأطراف على المصالحة.

التركيز على المكاسب المعنوية والرمزية في الصراع يطيل أمده ويزيد الضحايا. وفي الوقت نفسه، طالما أن المبادرة تتحدث عن مصالحة، فإنها تعني حتما قبول الأطراف ببعضها، وإلا على ماذا تتفق الأطراف؟! فليس معقولا طالما أنه تجرى مباحثات لتسوية توقف الصراع، أن يطلب محاكمة أو محاسبة أحد، ما معنى الاتفاق إذن؟ فالحديث ليس بين منتصر ومهزوم، ولكن بين طرفين متصارعين لم يحسما الصراع ويحاولان أن يتفاهما. وبرغم ما في ذلك من ألم وشعور بالظلم، فإنه النتيجة المتوقعة والمنطقية للتسوية؛ أي تسوية في التاريخ والجغرافيا.

وطالما أن المبادرة تعرض مصالحة وطنية، فيجب أن يقدم كل طرف بوادر للتقبل وحسن النوايا. وفي النهاية، هذه هي سورية بتركيبتها المتعددة المتنوعة، ويجب أن تظل كذلك، بل يمكن تحويل الأزمة إلى مكاسب وموارد إضافية. فالإبداع يأتي دائما مصاحبا للتنوع، ومن الجميل أن يكون رئيس سورية القادم بعد المصالحة علويا في ظل نظام سياسي ينتخب فيه رئيس الوزراء ويتمتع بصلاحيات واسعة، على ألا يكون ذلك قانونا أو “كوتا”، وإنما يمثل بادرة حسن نية من الأغلبية، تطمئن فئة من السوريين. ويُجعل الدستور والمصالحة عقدا مشتركا يمثل مصلحة لجميع الفئات، بما يضمن ألا تعود سورية شيعا تستضعف فيها طائفة أو تعلو طائفة أخرى.

هل سوف يقال لأوباما وبوتين مثل ما قال زهير بن أبي سلمى لهرم بن سنان والحارث بن عوف:

تَدارَكتُما عَبساً وَذُبيانَ بَعدَما    تَفانوا وَدَقّوا بَينَهُم عِطرَ مَنشِمِ؟

أخبار سوريا ميكرو سيريا